أكتوبر 12, 2017
اخر تعديل : يناير 6, 2019

الاستعمار البريطاني في عدن

الاستعمار البريطاني في عدن
بواسطة : Editors of Al Moheet
Share

الاستعمار البريطاني لعدن، يشير إلى الفترة التي استعمرت بريطانيا مدينة عدن في 19 يناير 1839م وحتى جلاء آخر جندي بريطاني منها في 30 نوفمبر 1967م واستغرق الاحتلال 128 عاماً.

خلفية

نظر لأهمية مدينة عدن ومينائها وحاجة البريطانيين لإرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة،  قامت بريطانيا ببعض المقدمات لاحتلال عدن فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينس أحد ضباط البحرية إلى منطقة خليج عدن في عام 1835م وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية وقد أشار هينز في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميتها الاستراتيجية.

كان لا بد للإنجليز من سبب يبررون به احتلالهم لعدن، في عام 1837م في ظل سيطرة سلطنة لحج على عدن ، وقعت حادثة غرق السفينة البريطانية “داريا دولت” قرب الشواطئ اليمنية فوجدت بريطانيا ضالتها لاحتلال عدن وادعت بأن الصيادين اليمنيين قاموا بنهب تلك السفينة وطالبت بالتعويض من قبل سلطان سلطنة لحج محسن العبدلي أو بتمكين بريطانيا من السيطرة على ميناء عدن وكان موقف السلطان العبدلي رفضه بالمساس بالسيادة اليمنية ووافق على دفع أية تعويضات أخرى. ولكن بريطانيا التي لم يكن في نيتها الحصول على أية تعويضات وانما هدفها هو الاحتلال وفرض سيطرتها العسكرية على مدينةعدن ومينائها الاستراتيجي فعدلت عن قبول التعويض وطلبت احتلال عدن مقابل التعويض وبدأت في الاستعداد لتنفيذ غرضها بالقوة المسلحة.

إجراءات الاستعمار البريطاني في عدن

في 22 يناير 1838 وقع سلطان لحج محسن بن فضل العبدلي معاهدة بالتخلي عن 194 كيلومتر مربع “75 ميلا مربعا” لصالح مستعمرة عدن وذلك تحت ضغوط البيرطانيين مقابل شطب ديونه التي يقال انها كانت تبلغ لاتتجاوز 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، مشترطا أن تبقى له الوصاية على رعاياه فيها.

وفي عام 1839م نفسه أعدت حكومة الهند البريطانية عدة إجراءات للاستيلاء على عدن ، ففي 16 يناير دفع القبطان «هينس» بعدد من السفن الحربية بهدف احتلال ميناء صيرة فقاوم اليمنيون بشراسة مستميتة الأمر الذي أجبر السفن البريطانية بالتراجع والانسحاب، ولعل هذه الخطوة من قبل البريطانيين كانت بمثابة بالون اختبار لمدى إمكانات المقاومين اليمنيين والذين بالطبع كانوا يمتلكون أسلحة بدائية ومنها عدد قليل من المدافع التقليدية الرابضة فوق قلعة صيرة المطلة على ميناء عدن القديم.

المحميات التسع

وبعد ثلاثة أيام في 19 يناير 1839م قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر.

بعد الاحتلال اخذت بريطانيا تمد نفوذها إلى مناطق شاسعة من اليمن فاستولت على ما أسمته فيما بعد بـ “المحميات التسع ” التابعة لمستعمرة عدن بأعتبار ما كانت عليه حتى 1880 ، وبعد هذا التاريخ بسطت حمايتها فيما بعد على كثير من المناطق المجاورة الأخرى بين مشيخة وإمارة وسلطنة عن طريق مشائخها وامرائها الذين ارتبطت معهم بإحلاف ومعاهدات وربطتهم بحكومة عدن ، وجعلت من كياناتها شبه مستقلها عن بعضها البعض ، وتغيرت تباعاً مسمياتها من مخاليف إلى إمارات وسلطنات ، لتكون حصوناً لحماية مستعمرة عدن ، وصارت تدعى المحميات الغربية والشرقية.

المحميات الغربية: هي سلطنة لحج ومركزها الحوطة، ويتبعها سلطنة الصبيحة ومركزعا طور الباحة، وسلطنة الحواشب ومركزها المسيمير. ثم سلطنة الفضلي “مخلاف أبين”، وكان مركزها شقرة، ثم زنجبار ويافع العليا ومركزها المحجبة، ويافع السفلى ومركزها القارة ، والعوالق العليا ومركزها نصاب، والعوالق السفلى ومركزها أحور ثم المحفد، وكانت العوالق العليا والسفلى تدعى “مخلاف أحور” ، وبيحان ومركزها بيحان القصاب ، ومشيخة العواذي ومركزها زارة ، ومشيخة دثينة ومركزها مودية ، وإمارة الضالع ومركزها الضالع.

المحميات الشرقية: هي سلطنة الواحدي ومركزها بئر علي وأحياناً تنقل إلى حبان ، والسلطنة الكثيرية ومركزها سيئون والسلطنة القعيطية ومركزها المكلا وسلطنة المهرة ومركزها القشن .

المقاومة الشعبية

لم يقتصر نضال شعبنا وكفاحه المعبر عن رفضه لبقاء الاستعمار البريطاني على تلك الانتفاضات المسلحة في العديد من أرياف الجنوب اليمني، إذ شهدت مدينة عدن ومنذ فترة الخمسينيات مخاضاً وارهاصات وطنية بمختلف أشكال الفعاليات السياسية والنقابية والطلابية والنسوية المعبرة عن الشأن المحلي وتفاعلاً وتضامناً مع قضايا الأمة العربية والإسلامية وقضايا التحرر العالمية.. حيث تأسست التنظيمات السياسية والنوادي والتكتلات ومن أهمها: تأسيس نادي الشباب الثقافي الواجهة الأمامية لحركة القوميين العرب عام 1953م.

تكوين مؤتمر عدن للنقابات عام 1956م الذي تغير اسمه عام 1958م إلى المؤتمر العمالي. البدء في تنظيم الحركة الطلابية عام 1954م وقيام الإضرابات الطلابية للطلبة والطالبات واستشهاد الطالب قاسم هلال تزامناً مع قيام الإضرابات العمالية.

وكان لقيام ثورة 23 يوليو 1952م في مصر أثر كبير في تصعيد الأشكال النضالية المعبرة عن رفضها لبقاء الاستعمار البريطاني على أرض الجنوب والتطلع ليوم النصر في جلاء قوات المستمعمر ونيل الاستقلال، فكانت فترة الخمسينيات فترة التعبير عن ذلك الزخم العظيم سياسياً ونقابياً وطلابياً، وعكست القناعات والطموحات وترسخ الإيمان بضرورة الأخذ بخيار الكفاح المسلح لتخليص الجنوب من براثن الاستعمار البريطاني.

ثورة 14 أكتوبر

شهدت عدن والمحميات الغربية والشرقية، حركة احتجاجات عمالية وعمليات إطلاق نار على المحتلين وعمليات فدائية، وانتفظت القبائل في أكثر من منطقة،  وتصاعدت الأحداث خلال تلك السنوات حتى انطلقت شرارة ثورة  14 أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني، من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة ، الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة ، وقد شنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة “الأرض المحروقة”، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.

واستمر اليمنيون في الثورة حتى 30 نوفمبر 1967 يوم خروج آخر جندي بريطاني من عدن، واستقلال جنوب اليمن واعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حيث استلمت السلطة الجبهة القومية للتحرير بعد انتصارها الميداني على غريمها التقليدي جبهة تحرير جنوب اليمن.