
عرف اليمنيون القدماء الديانة التوحيدية منذ الزمن الموغل في القدم منذ ما قبل الديانة اليهودية والمسيحية والإسلام وهي الديانة التوحيدية التي أسماها الباحثون الغربيون التوحيد الحميري (الذي هو امتداد لما قبل حمير من حضرموت ومعين وسبأ وقتبان و أوسان) لخصائص لم توجد في أديان أخرى كما جاء في كتاب بيستون ا.ف.ل ص: 152.
فقد وحد الحميريون الآلهة واعتبروا رحمن إلها أوحد وقدسوه وحده إلى أن دخلت اليهودية والمسيحية إلى اليمن فجعلوا رحمن هذا والد المسيح وقد مرت هذه الاعتقادات التوحيدية بعدة أطوار منذ ما قبل حمير فقد كان ذو سماوي أو “ذو سموى” بلغة المسند يذكر مقرونا بعدد من الأصنام بداية حتى أصبح إله الأرض و السماء الأوحد ثم ترسخ التوحيد و أهملت الآلهة الأخرى وتم تقديم الإله رحمن وحده في صيغ التعبد غير مقرون بآلهة أخرى ولا حتى أقوام أخرين كالمسيح أو رب اليهود.
الإله (سين)
وقد كان (سين) إله القمر عند الحضارم كما هو في أكاد و بابل و آشور وتشير الرموز إليه بهلال و نقطة فوقه كما وجد في عدد من المباخر اليمنية القديمة طبقا للدكتور بافقيه في كتابه تاريخ اليمن القديم ص 204 واسمه وفق المتخصصين في اللغات السامية هو “ياسين”.
ولا يزال اليمنيون إلى اليوم يستدعونه عند وقوع مكروه وطلبهم دفعه عنهم بعبارة “ياسين عليك” دون أن يقصدوا الإله القديم نفسه بالضبط إنما ظل مكبوتاً في لا وعيهم كما يقول سيد القمني في كتابه الأسطورة والتراث (رغم اختلافنا مع سيد القمني و لكن نأخذ المفيد فقط) والياء هي صيغة النداء والترجي عند اليمنيين القدماء لكل إله فقد ورد اسم إل مقه بصيغة “يلمقه” كذلك ويرجح عدد من الباحثين أن سين هو المقصود في سورة يس وقد ورد الحلف بالنجوم الكواكب في القرآن أكثر من مرة وتحدث عنه المفسرون في معرض تناولهم لأسلوب القسم في القرآن.
حقيقة كان اليمنيون القدامى عميقي التدين وارتبط وجدانهم بالسماء و يستدل على ذلك اعتبار الكهنة (المكاربة) أعلى طبقة اجتماعية في البلاد ولا يزالون كذلك فكانوا إذا انحبس المطر صلوا لآلهتهم طلبا للغيث و كان لديهم موسمان للأمطار “سقي خرف ودثا ” أي “سقي الخريف والربيع” فإن أنعمت عليهم الآلهة قدموا لها القرابين شكرا وتقديرا لأفضالها عليهم.
آلهة معين
وكان المعينيون يصفون إلههم الأكبر ووالدهم (ود) بلفظة كهلن وكلمة ” الكهل ” تعني القدير والأب بلغتهم تعبيرا عن عطفه عليهم وكانوا يؤمنون أنه ضحى بحياته من أجلهم ولا يخفى على القارئ اللبيب الشبه بين هذا الاعتقاد وعقيدة التثليث المسيحية التي ترى في المسيح ربا ضحى بحياته من أجل البشر ولذلك كثرت عند المعينيين عبارات الرحمة والعطف والحكمة تجاهه فأسموه “صدوق” (الصادق) و”لعزز” (العزيز) و”حكم ” (الحكم) و”حرمن” (المحرم) و”رضى” (الرضي) و “رحمن” (الرحمن).
كذلك ورد في القرآن الكريم في عهد نبي الله نوح عليه السلام كلمة لفظ ” ود ” في قوله تعالى ((ولا تذرن ودا و لا سواعا و لا يغوث و يعوق و نسرا)) سورة نوح و هذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله و هي كانت أسماء لرجال صالحين و لكن عبدوهم بعد موتهم كما جاءت في كتب التفاسير الإسلامية.
الشاهد أن لفظ ” ود ” وردت في النقوش المسندية اليمنية القديمة عند المعينيين و غيرهم منذ آلاف السنين و هذا يدل دلالة واضحة صريحة على أن التوحيد و الإيمان في اليمن قديم و يسبق فترة نبي الله نوح عليه السلام و أن الديانة التوحيدية الربانية الفطرية للناس هي قديمة جدا و اليمن عرفتها منذ الإنسان الأول فهيا متأصلة متجذرة في الإنسان اليمني القديم و التوحيد و الإيمان و الحكمة متزامنة منذ القدم لليمنيين و ارتبط بهم كثيرا كما وصف خير الأنام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في حديث (جاءكم أهل اليمن هم ألين قلوب و أرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية) حديث صحيح عند بخاري ومسلم.
وكان المعينيون يسمون أنفسهم “هود” أي أبناء ود و نلاحظ هنا المعينيين يسمون أنفسهم “هود” وهو يذكرنا بالنبي هود عليه السلام و هذه إشارة واضحة بتواجدهم القديم والحضاري للأمم البائدة القديمة باليمن وإنهم في الحقيقة من بقايا إحدى الأقوام اليمانية الما قبل نوح وهود وقد قدس المعينيون الإله (منضح) (منضحت) (منفحة) وهو إله مسؤول عن الماء والسقايا والري والحدود و(متبقبط) إله الحصاد و الإله (بلو) وهو إله المصائب والبلاوي والموت والإله (رفو) و هو إله حماية الحدود أو حارس الحدود و الإله (حلفن) وهو إله القسم و التعهدات فيقسم به عند عقد الاتفاقيات والمعاهدات والعقود التجارية غير أن من الجائز في رأيي ألا تكون هذه الأسماء أسماء آلهة و إنما هي مجرد مصطلحات يراد بها أمور أخرى ويظن أن لفظة “ود” ليست اسم على القمر بل هي صفة من صفاته تعبر عن الود والمودة فهي من الأسماء الحسنى للقمر إذن كما جاء في كتاب المفصل دكتور جواد علي ص 766.
الديانات القديمة
أما عن الطقوس في ديانات اليمن القديمة و ملامحها في الإسلام فقد كان اليمنيون القدماء يطلقون على المعابد في اليمن لفظة “حرم” و “محرم” مثل ما نقول اليوم تماما الحرم المكي و النبوي الشريف أي المقدس الطاهر أو حرم المسجد بوجه عام و كان يحرم دخولها بملابس متسخة وتمنع النساء من دخولها خلال فترة الحيض و يظهر أنه كان لليمنيين طقوس تعبدية تدعى “طوف” (طواف) حول الحرم لها علاقة بالطهارة الروحية يعقبه اعتراف بالذنوب للكهنة و تقديم القرابين التي غالبا ما تكون من حيوانات مفضلة للآلهة وهي الوعلان و الغنم والخراف والثيران وتقديم القرابين عادة ما يكون لغفران الذنوب أو لشكر الآلهة أملا في زيادة عطاياها.