
الغناء اللحجي نسبة إلى محافظة لحج، جنوب اليمن، وهو لون من ألوان الغناء ذات الطابع الأصيل، ويسمى باللحجي تمييزا له عن ألوان غنائية تعرف بها مناطق أخرى من اليمن، مثل الغناء الصنعاني، والغناء الحضرمي.
ويقال إن الفنان الكبير أحمد فضل القمندان، هو مؤسس الغناء اللحجي، بيد أنه وقبل القمدان كان لمنطقة لحج، مثل كل مناطق اليمن، أهازيجها وأغانيها ورقصاتها وهذا بمجمله يشكل فلكلورا شعبيا، يشكل قاعدةً من الألحان، والإيقاعات والرقصات، هيأت لولادة هذا اللون من الغناء.
كانت المخادر قبل كل هذا، تعتمد في حفلاتها على شخص اسمه “دهاش” يقيم له أهل العرس منبراً مصنوعاً من علب الجاز الكبيرة ويجلس عليها ومعه (الحاكي حقه) آلة القمبوس أو قفشة يشحنه بواسطة هندل ويضع عليه اسطوانات الفنانة المصرية منيرة المهدية وأغاني السفطي، ولأن معظم الحاضرين من العامة لا يعرفون معاني بعض كلماتها يقوم هو بدور المترجم باللهجة اللحجية الدارجة.
إضافة جديدة
وشكل ظهور الفنان فضل ما طر عام 1895م بألحانه وغنائه إضافة جديدة ومتميزة وهي أغنية “يا طير كف النياح” و”يا مرحبا بالهاشمي” هاتان الأغنيتان نسج كثير من الشعراء عوارض على ألحانها وحفظها العامة وغنوها صغيرهم وكبيرهم حين ظهرت في العام 1898م وكانت تغنى من دون آلات وترية.
ومن الألحان الفلكلورية السائدة آنذاك “روحنا من السعدية بلا سيف ولا جنبية” و”يا بو زيد” و”صفا الجابري”، و”كل ما جيت شوفك جيت والباب مردود”.
ثم أتى الفنان فضل ماطر بلحن “من بعد الصفا” وأتت الفنانة والشاعرة والدتي سلمى بنت درينة بلحن “أمان سيدي أمان” غناه الفنان سعد صالح عبدالله وسجله على اسطوانات جعفر فون عام 1901م.
إيقاعات متعددة
لقد بدأ الغناء اللحجي بتموجات الدان والتموجات الصوتية ويستند إلى اللهجة الدارجة ومعه ملازمة رقصات الركلة والناشرية، ويتميز عن الألوان الغنائية اليمنية بإيقاعاته المتعددة ولكل إيقاع رقصة خاصة به منها خاصة بالرجال منفردين وأخرى للنساء منفردات وبعضها يجمع الجنسين معا.
وتوالت ألحان الفنان فضل ماطر الذي أضاف إلى جملة ما أورث لحن “ليس الشجن يا خاطري، با يصلح الله كل شأن” ولحن “صابر على عهدي واموت”، ثم جانا “البدر” من منطقة العوالق العليا والسفلى بأغاني بدوية وشرح وأغاني “الهوب”، ثمّ ظهر آخر لحن غناه الفنان سعد عبدالله “حنو ونوحوا معي يا أهل الغرام”.
على تلك الألحان جملة نسج قصائدهم شعراء من الأمراء ومن العامة مثل الشاعر عوض المغلس والد الشاعر علي عوض المغلس و”با هدى”، بينما تعلم بعض الفنانين العزف على آلة العود من بعض المعلمين الآتين من الخارج كالأتراك والمطربين القادمين من صنعاء.
ومن الفنانين الذين ظهروا قبل القمندان، الفنان سعد عبدالله اللحجي، سعيد بن درينة، والفنان سبيت النوبي، وصالح الظاهري، والفنان الطميري، وصالح عيسى وسعد عبدالله اللحجي، والفنان “أحمد قاسم” والد الفنان “أنور أحمد قاسم”.
الأغاني والحفلات
ومن الأغاني التي كانت لها رواج آنذاك كان سعد عبدالله ووفقا لطلب الناس يغني بالإضافة إلى اللون الصنعاني واليافعي أغنية “يا ساهر الليل متى با تغيب” وهي للفنان فضل ماطر، وكذا أغنيتا “خلاك يا زين خلاك” و”ذكرتني يا المعنى” كانت عزف بالمقام نفسه، ولكن الاختلاف كان في الشعر أي الكلمات، ومنها قصير الترجيع، وطويل الترجيع.
وجنباً إلى جنب كانت لحج تشهد الحفلات على مدار شهور السنة تتوالى في المنطقة المزدهرة بمواسم زيارات أولياء الله الصالحين مثل سفيان بن عبدالله، ومزاحم، وعمر بن علي في الوهط وولي الله الصالح عبدالله بن حسن، كما كانت تقام حفلات موسمية أخرى تقام في لحج حفلات تخصصية خاصة بالبنات في منطقة الرباط كل ثاني يوم من العيد يمنع فيها حضور النساء المتزوجات، ولهذه الحفلات رقصاتها وإيقاعاتها التي كان يؤديها المجاذيب وكذا رقصات البرع والطاسة أثناء حفلات الزواج، مثلما توجد إيقاعات لرقصات الزار والمكونة من سبعة من الطبول ومنها “الماما”، وللبيارق ثلاثة إيقاعات لكل إيقاع رقصة خاصة به، وكان الدمندم شائعا في لحج والميحة أي الشرح، الذي طوره القمندان في لحن أغنية “ليتني وا حبيبي” وهناك إيقاعات ورقصات جاءتنا من الديس والمكلا، فالشبوانية عادة حفلة تقام في آخر أربعاء من صفر كل عام حيث يتجمع الحضارم ولهم حارة خاصة بهم في لحج بجانب مسجد الجامع الكبير لإحياء حفلة الشبوانية.
أنواع الفن
كانت لحج زاخرة بالفن بكافة أنواعه وكان الدان هو دلالته ورمزه فقد كان شائعا آنذاك وهو متعدد الظهور والأنواع:
النوع الأول: غناه الفنان “ثابت عانتين” وسجله على أسطوانة “جعفر فون في أغنية “با عبدك وسط قلبي يا جبح نوب”.
النوع الثاني: يغنونه الجمالة وفيه تطويل على البحر الشعري نفسه لأغنية “وا طير كف النياح” لفضل ماطر.
النوع الثالث : هو الدان الثاني نفسه، ولكن طور بصورة أخرى مثل الفنان محمد حسين الأمر يغنيه بلحن “وا طير كف النياح” بصورة مختلفة عن السابق.
النوع الرابع: من الدان أتى به الفنان “المهنى” وهو التطوير الأخير للدان، وهناك دان يكاد يضاف إلى الأنواع الأربعة ويعتبر آخر التطورات موضوع على مقام “الحجاز” مثل أغنية “سرى الليل يا خلان” ويعود الفضل في تطويره للفنان فضل محمد اللحجي الذي أخذه الفنانون عادة لمداخل أغانيهم.
ويبقى الفن اللحجي متكئاً على فنون وموروث شفاهي واسع وغني وثري، لكن تطويره وتأسيسه سوف يتم على يد الفنان القمندان، أحد سلاطين لحج وغنائها. كما سوف يمثل قفزةً مهمةً على يد فنان لحج الخضيرة: فيصل علوي.