أكتوبر 18, 2017
اخر تعديل : نوفمبر 24, 2018

الفن الروائي في اليمن

الفن الروائي في اليمن
بواسطة : Editors of Al Moheet
Share

 

استقرت الرؤية الفنية للرواية اليمنية وتثبتت كجنس أدبي قائم فترة السبعينيات والثمانينيات.

وذلك لأن الحديث عن الخطاب الروائي اليمني كجنس أدبي جديد يمتد من حيث الزمان إلى 73 عاماً، هو عمر الرواية اليمنية حتى يوم الناس هذا، حيث يُعد عام 1939م هو عام ميلاد الرواية اليمنية، وهو العام الذي صدرت فيه رواية «سعيد»(1) للمثقف اليمني الرائد «محمد علي لقمان»، وهي أول رواية يمنية تصدر في عدن عن المطبعة العربية. ثم يتتابع وينمو رصيد الرواية اليمنية ليبلغ من حيث عدد المدونة الرواية قرابة الـ 150 رواية تقريباً، هي مجمل ما كتب في هذا النوع الأدبي المهم.

وقد مرت الرواية اليمنية بعدد من المحطات. فعند النظر في مسيرة الرواية اليمنية يمكن الوقوف عند (4) محطات هي:

الريادة:

وهي محطة البدايات بما تحمله من محاولات وقصور من ناحية، وما تسجله من ريادةٍ وحضور من ناحيـة أخرى، وتتمثل هذه الريادة في رواية «سعيد» 1939م، لمحمد علي لقمان، وهي رواية تعالج في موضوعها الحياة البرجوازية في تلك المرحلة لطبقة التجار الذين يمثلهم والد سعيد، ويصور حياتهم ومعارفهم، وسعيد يبدو في الرواية كبطل قومي منفتح على قضايا مجتمعه الخاصة وقضايا العالم الإسلامي بوجه عام، ومما يؤخذ على هذه الرواية الرائدة طرحها الكثير من الشعارات بخطابية صارخة في لغتها وبنائها الفني شأن أي بداية لم يستقر بناؤها وتجربتها على وجه الدقة والوضوح.

ثم تأتي رواية « يوميات مبرشت «(2)، 1948م لعبد الله محمد الطيب أرسلان، وقد طبعت في عدن في مطبعة صحيفة «فتاة الجزيرة»(3)  ورواية «يوميات مبرشت» لوحة صادقة للحياة التي عاشـتها عدن في فترة الأربعينيات، وهي فترة الحرب العالمية الثانية، وما سبقتها من حالة متدهورة للاقتصاد العالمي بشكل عام، ولعدن تحت السيطرة البريطانية بشكل خاص، هذه الرواية تصور في موضوعها حياة عامل من الطبقة المتوسطة تأخذه موجة السعي في تيار أثرياء الحرب ليتحول إلى «مبرشت» والبرشته مصطلح يعني التهريب(4). وتُعرض الرواية على شكل مذكرات يومية (تبدأ من 1 يناير وتنتهي بـ أول يوليو من السنة الثانية)، والمدة الزمنية بين أول رواية وثاني رواية تبلغ تسع سنوات، ثم ننتظر أحد عشر عاماً أخرى حتى تأتي رواية «حصان العربة»(5) 1959م لعلي محمد عبده، وهي مُدد زمنية متفاوتة – كما تلاحظ – تُـقدِّمُ هذا الفن على فتور وتباعد، وتعالج من حيث المضمون قضايا إصلاحية، واجتماعية عالية النبرة من حيث المباشرة والسطحية.

 التأسيس:

تبدأ هذه المحطة زمنياً مع بداية 1960م، وتمتد حتى أوائل السبعينيات، وهي محطة مهمة جداً على المستوى الوطني، لما احتوته من أحداث مرَّ بها الشعب اليمني أبرزها قيام الثورة المجيدة في الشمال 1962م، والاستقلال عن المستعمر في الجنوب 1967م، وتثبيت قواعد ولبنات الجمهورية، وهذه المحطة على مستوى الخطاب الروائي كان فيها محاولة التأسيس لهذا الفن الأدبي المهم، وإن كانت ثمرة ذلك لم تؤتَ بشكل واضح إلا في السبعينيات. لكن تظل محاولة محمد محمود الزبيري (أبو الأحرار، شـاعر الثورة الكبير، توفي 1965م) في روايته «مأساة واق الواق»(6) 1960م ذات أثر واضح في إيجاد فن روائي، وإن كان لا يزال متأثراً – إلى حد كـبير – بالموروث العربي الديني، وبخاصة قصة الإسراء والمعراج، ورسالة الغفران للمعري، ومحملاً بالقضية الوطنية ورموزها ومشكلاتها، ويبرز فيها المضمون السياسي بنبرة صارخة يغلب أحيـاناً كثيرة على الفن والبناء الروائي لكنها تظل محاولة للتأسيس. تتبعها رواية «مذكرات عامل»(7) 1966م لعلي محمد عبده بما تحمله هذه الرواية من مضمون الطبقة العاملة وهـمومها، واستغلال الأغنياء لجهود الكادحين، ويأتي المضمون الاجتماعي أكثر وضوحاً في روايتي: « القات يقـتلنا «(8) 1969م، و»ضحية الجشع «(9) 1970م لرمزية عباس الإرياني، ورواية «مصارعة الموت»(10)1970م لعبد الرحيم السبلاني، وتبدو فيها صورة المجتمع وقضايا المرأة المستلبة، والزواج غير المتكافئ، والثأر وغيرها من المضامين أغلب من حيث اهتمام الكتَّاب، ولكنها تمثل مرحلة مهمة في طريق التأسيس لهذا الفن الروائي، والذي تبدو خطوة محمد عبد الولي وتجربته الروائية هي الأكثر قدرة وتمكّناً في هذه المرحلة لما يمتلكه هذا القاص من أدوات خاصة وموهبة حقيقية جعلته يعالج موضوعاً اجتماعيا في غاية الخطورة في حياة اليمني هو موضوع الهجرة والمولَّدين – الذين يكونون من أب يمني وأم حبشية تحديداً – في روايته « يموتون غرباء «(11)،1971م، ويقدم روايته في شكل فني محكم ورصين، يمثل بالفعل الشكل والمستوى الأكثر نضـجا وتأسيساً للخطاب الروائي في هذه المرحلة.

التجنيس:

امتدت خلال الفترة(1970م-1980م) حيث استقرت فيها الرؤية الفنية – نوعا ما – وثبتت كجنس أدبي قائم بذاته في وعي كتّاب المرحلة وممارستهم، وتمكن القاصّين من هذا الفن الروائي من خلال تكرار التجربة، والقراءات، والمعارف العامة، والمتابعة، والانفتاح على الرواية العربية والعالمية، وظهرت أسماء أخلصت لهذا الفن وطورته نذكر من ذلك مثلا: محمد عبدالولي، عبد الكريم المرتضى، محمد حنيبر، حسين مسيبلي، عبد الوهاب الضوراني، حسين سالم باصديق، محمود صغيري، عبد الله سالم باوزير، زيد مطيع دماج (وروايته الرهينة نموذج ناضج للرواية اليمنية، وقد قدمت ضمن أفضل مائة رواية عربية، ونشرت في مشروع «كتاب في جريدة» الذي أشرفت عليه اليونسكو)، محمد مثنى، سلوى الصرحي، عبد المجيد قاضي، يحيى على الإرياني، سعيد عولقي وغيرهم، استمر بعضهم وتوقف البعض الآخر مما خسر بسببه المشهد الروائي أقلاماً كانت قد بدأت في الطريق الصحيح فنياً.

التجديد:

وهي محطة التسعينيات وما بعدها حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وإن كان التجديد- في هذه المحطة – محسوباً ومحدوداً في بعض محاولات القاصين الشباب، ولم يتحول إلى ظاهرة غالبة – حتى نكون أكثر دقة في هذا التصنيف، وذلك فيما تبرزه بعض كتابات نبيلة الزبير في روايتها «إنه جسدي»(12) 2000م، ووجـدي الأهدل في «قوارب جبلية «(13)، و«الومضات الأخيرة في سبأ»(14) 2002م، و«فيلسوف الكرنتينة»2007م، و«بلاد بلا سماء»،2008م، وحبيب عبد الرب سروري في رواياته: «الملكة المغدورة»(15)1999م، و«دملان»(16)2002م، و«طائر الخراب» 2005م، وهند هيثم في « ملوك لسماء الأحلام والأماني «(17) و«حرب الخشب»(18) 2003م، وعبد الناصر مجلي في «رجال الثلج»(19) 2000م، وسامي الشاطبي في «كائنات خربة»(20)، و«للأمل مواسم أخرى»(21) 2003م، وكذلك أعمال أحمد زين في «تصحيح وضع»2004م، و«قهوة أمريكية»، ونادية الكوكباني، في «حبٌّ ليس إلا»، و«عقيلات»، وبسام شمس الدين، في «الدائرة المقدسة» و«هفوة»، وعلي المقري، في «طعم أسود.. رائحة سوداء»، و«اليهودي الحالي»، ومحمد الغربي عمران في «صحف أحمر»، و«ظلمة يائيل»، وغيرها.

وجاءت محاولات التجديد هذه على مستوى اللغة، والانشغالات بالشكل والمضمون في محاولة الخروج عن التراتبية الموروثة من بداية ووسط ونهاية، ومن عقدة وحل… الخ من تلك التقنيات، وتأتي محاولاتهم في التجريب على السرد والرؤيا والتشكيل اللغوي لهذا الجنس الأدبي العميق. ومع ذلك فثمة كتابات كثيرة في هذه المحطة متعلقة بالمحطة السابقة «محطة التجنيس» إن لم نقل بردها إلى محطات تقليدية موغلة، من خلال عدم تطوير البعض لكتاباتهم وآلياتهم، وجنوح البعض الأخر إلى الكتابة الملاصقة للواقع ملاصقة مرآوية بعيدة عن الفن، أو اللجوء إلى الكتابة السيرذاتية لدى كتاب يمتد حضورهم – عيشاً وكتابةً – إلى أجيال سابقة لكن قصصهم لم تخرج إلا في هذه المرحلة.

 

المصدر: الرّوَايَة اليَمَنِيَة وإشكَالِياتِهَا : إبْراهِيْم أبو طَالِب.، مجلة نزى، إبريل 2013م.