
تشتهر مدينة تريم الواقعة في محافظة حضرموت ، بكثرة مساجدها التي شاع سابقا بأن عددها يصل الى ثلاثمائة وستين مسجدا بعدد أيام السنة ولكن عدد المساجد المعمورة فيها اليوم يتجاوز المائة بقليل، وقد عُرفت تريم بالبنائين المختصين في العمارة ما ميز العمارة الطينية هناك خصوصا المساجد.
يُقال أن خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم سيدنا ابي بكر الصديق، دعا لأهالي لمدينة تريم عندما جاءته البشارة بنصرة اهالي تريم و وقوفهم في وجه المرتدين ذلك انه سال ربه سبحانه و تعالى لهم ثلاث دعوات و هي : ان تكون بلدتهم ” تريم ” معمورة و ان يبارك في مائها و ان يكثر فيها الصالحين و لذلك فقد من الله سبحانه و تعالى ان جعل هذه البلدة المتواضعة مركزا اسلاميا انتشرت انواره في مختلف الجهات و قد ارتبط الدور الريادي للدعوة الاسلامية ببيوت الله سبحانه و تعالى.
إشعاع ديني
تعد تريم عاصمة الوادي الدينية حيث كانت ولا تزال مركزا يشع منه نور العلم والمعرفة ومركز اشعاع ديني منذ ظهور الاسلام حيث اقيمت الأربطة الدينية ومراكز تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وتدريس الفقه الاسلامي وغيرها من فروع العلوم الدينية ،وكان طلاب العلم يتوافدون من المناطق اليمنية والدول المجاورة والشرق الاقصى وشرق افريقيا حيث ساعد على ذلك كثرة علمائها وزواياها العامرة بالتدريس .ومن أهم مراكزها العلمية القديمة التي لازال نشاطها مستمرا حتى اليوم ” رباط تريم العلمي ” الذي افتتح في 14 محرم 1305هـ و “معلامة أبي مريم لتحفيظ القرآن الكريم” التي انشئت في القرن الـ 13 الهجري.
أول المساجد
يتناقل الرواة ان اول مسجد بني في تريم هو مسجد الوعل الذي يذكر انه بني عام 49 هـ الا ان البعض الاخر ينفي ذلك بسبب انه من المعروف ان الاسلام قد دخل تريم منذ عهده صلى الله عليه و سلم الامر الذي يدفع للتساؤل اين يؤدي اهالي البلدة صلواتهم خلال التسعة و و الاربعين سنة ما قبل تاسيس مسجد الوعل فيذكر هؤلاء ان اول مسجد بني بتريم هو مسجد سوية ” برفع السين و فتح الواو و تشديد الياء” .
مميزات العمارة
بينت جميع مساجد تريم و خصوصا القديمة قد بنيت على نمط مسجد رسول الله صلى الله عليه و اله و صحبه و سلم المتكون من الصحن و حمام ” بيت ” الصلاة الذي ينقسم الى قسمين مغلق و مفتوح . ويمكن ملاحظة أن عمارة المساجد وجميع منائرها وخصوصا الطويلة منها قد بنيت على الشكل المخروطي الدائري القاعدة التي تضيق مع الارتفاع نحو القمة ، ونظرا لاستخدام الطوب الطيني المحلي ” المدر ” في البناء فذلك النمط في المنائر يكون الأنسب والأكثر قوة ” نظرا لتداخل المدر وتماسكه في الاطار الدائري المغلق للنسق البنائي للمنارة ” وذلك اذا وضعنا في الحسبان الاعتماد المطلق على الطين والمدر الطيني .
وقال فاندر ميولن لدى زيارته لتريم والمئذنه عام 1931م ” من المؤسف أن هذه المئذنه مبنية مبنية على النسق الحديث ، المآذن الحضرميه الأصيله هنا مستديرة وتضيق قليلا عند القمة … وفي قمتها عمدان صغيرة تقف عليها القبه ويبرز اللون الأصفر الشاحب واضحا عكس السماء الداكنة الزرقه وفوق أشجار النخيل بألوانها الرمادية الخضراء ، ولكن هذه المئذنه مربعه وملونه بالأزرق والأبيض وبها العديد من النوافذ الصغيرة وتزينها حواش رمادية وهي تضيق أيضا عند القمة حيث هناك سلالم لولبية من الطين لا تناسب الا الأشخاص النحاف ، وفي القمة أيضا قبه صغيره بها أعمده يقف عليها السقف”.
مسجد باعلوي
من أعظم مساجد تريم على الاطلاق وأشهرها بالاجماع ،مسجد بن علوي وهو أكثرها زواراً بالمصليين وهو مسجد قديم أسسه الإمام علي بن علوي في حوالي عام “530هـ” ، بني من الطين والنورة على أجمل صورة ، أعيد ترميمه عدة مرات ثم بنيت له منارة في آخر بوابة ذات شكل جميل. وهذا المسجد فيجتمعون فيه لاسيما في الليالي المشهورة ، كليلة المولد الشريف والمعراج والنصف من شعبان .
مسجد المحضار
من المساجد المشهورة في تريم مسجد الشيخ عمر المحضار، شيد هذا المسجد عام 1823م وتفنن البنائين الحضارم في بنائه وهندسته ، وأبرز ما فيه منارته الشامخة ، وهي اطول منارة في اليمن حيث يبلغ إرتفاعها 175 قدما ً ، وهي أطول منارة في العالم مبنية من اللبن والخشب.
مئذنة مسجد المحضار تشير إلى السماء بشهادة التوحيد ويصدح فيها بالتكبير من على “175” قدما أسسها على التقوى عمر بن الرحمن السقاف وصممها على ذلك الطراز الفريد خيال الشاعر المشهور والعالم الكبير أبو بكر بن شهاب المتوفى سنة 1340 هـ.