
تمنع ، او هجر كحلان، مدينة تقع إلى الشمال الغربي من مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة ، وتبعد عنها نحو ” 14 كم” ، وقد كانت عاصمة الدولة القتبانية، وظهرت مملكة قتبان اعتباراً من “القرن السابع قبل الميلاد” حتى مطلع “القرن الأول الميلادي” ، لعبت خلال هذه الفترة الزمنية دوراً ريادياً في التاريخ اليمني القديم خاصة في جانبه الاقتصادي.
كانت مدينة ” تمنع ” هي الحاضرة على امتداد تلك الفترة الزمنية ، وكان سبب أفول نجم هذه الدولة هي المنافسة التي واجهتها من قبل بني ذي ريدان ـ الحميرين ـ الذين سيطروا على تجارة اللبان والطيوب التي تحولت إلى الطريق البحري ، وأهملت الطريق البري ، وأصبحوا هم الوحيدون المستفيدون من عوائد هذه التجارة.
اندثار تمنع
رجح الكثير مـن علماء النقوش أن سبب اندثار مدينة ” تمنع ” يعود إلى الحروب الطاحنة التي دارت في ” القرن الأول الميلادي ” ، ولكن استطاع علماء أن يحددوا سبب اندثارها – ربما – أنه عائد إلى زلزال حدث في ” القرن الأول الميلادي ” أدى إلى تدمير المدينة.
أقيمت هذه المدينة على الضفة اليسرى من وادي بيحان في شمال قرية النقوب الحالية، يحـدها من الشمال الشرقي حيد بن عقيل ، ومن الشرق جبل الأخيضر وقرية الهجر، ومن الغرب جبل الساق وجبل الصفحة، وهي على تلة ترتفع عن مستوى سطح الوادي بحوالي 26 متراً.
دراسات أثرية
تبدو مدينة تمنُع “هجر كحلان” في وضعها الراهن مستطيلة الشكل، ولم يبق من معالم سورها سوى البوابة الجنوبية، ويعُتقد إن السور الذي كان يحيط بالمدينة كان ذا جدارين خارجي وداخلي .
أجريت على هذه المدينة بعض الدراسات الأثرية أهمها الحفريات التي قامت بها المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان في عامي “1950 – 1951م ” حيث كشفت عن البوابة الجنوبية للمدينـة وكانت مشيدة بالأحجار المهندمة ذات أحجام كبيرة وقد نقش قسم منها بالكتابات المسنديـة التي وضعـت على جـانـبـي الـبـوابـة ، وكانت هذه البوابة محاطة ببرجين دفاعيين كبيرين ارتفاعهما حوالي ” 3 مترات ” فوق مستوى الأرضية المبلطة ، ويبدو أن البرج الأيسر للبوابة كان قد استعمل لسكن الحراسة ، وما تزال هناك منصة عالية كانت للحرس ، وكشفت التنقيبات أن البوابة كانت معلقة إذ وجدت آثار أخدودين على هيئة أخدودين رأسيين على جانبيها المخصصين للأعمدة الخشبية الخاصة بالبوابة.
وجدت أيضا بعض القطع الخشبية فيها فضلاً عن عتبة البوابة ، ويؤدي مدخل البوابة إلى ساحة مبلطة ببلاطات مصقولة تمثل ساحة عامة تقع داخل البوابة ، على جانبيها عدد من المقاعد المبنية من الأحجار ، ربما كانت هذه الساحة مخصصة لاجتماعات كبراء المدينة فيها للتداول والتشاور في الأعمال اليومية والإشراف على المبادلات التجارية التي كانت تجرى في هذه الساحة التي كانت تعتبر السـوق الرئيسي للمدينـة وفـي وسـط المدينـة تقريباً تنتصب مسلـَّة مضلعة جوانبها المنقوشة بالكتابات المسندية من الأعلى إلى الأسفل عدا جهتها الجنوبية حيث ينتهي النقش عند نقطة ترتفع عن مستوى سطح الأرض ، ويعتبر النقش الذي كتب على هذه المسلَّة من أهم سن القوانين التجارية المعروفة في اليمن القديم ، ويتحدث عن تنظم المبادلات التجارية التي تتم داخل هذه المدينة .
معبد عثتر
كما كشفت التنقيبات عن معبد كبير خاص بالإله ” عثتر ” شيد بأحجار ضخمة تزين جدرانه الخارجية الدخلات والخرجات ، يظهر على إحدى دخلات الجانب الجنوبي رمز الهلال والقرص وفي داخل المعبد بقايا أعمدة إسطوانية من الحجر مع أرضيات مبلطة .
مقبرة تمنُع
يعتبر موقع حَيْد بن عقيل هو مقبرة مدينة ” تمنع ” ، نقبت فيه البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان في عامي ” 1950 – 1951 م ” ، ضمن حفرياتها في مدينة ” تمنع ” ـ هجر كحلان ـ وتقع على شمال مدينة ” تمنع ” وعلى بعد نصف ميل منها .
شيُّدت المقبرة على الجانب الغربي لجبل صخري قاحل ، وبالقرب من قاع الجبل الذي اكتشفت فيه البعثة مبنى من اللبن أنشئ على أساسات حجرية بقى منه ارتفاع حوالي ” 6 أقدام ” ، ويعود تاريخه بحسب النقش الذي وجد فيه إلى ” القرن السادس قبل الميلاد”
تحتوي المنطقة على قبور مبنية بالأحجار تحت مستوى سطح الأرض ، وهي بأشكال وحدات مربعة تقريباً ، وتمتد من الجدران الجانبية لها حواجز متوازية تقسم القبر إلى غرف صغيرة عرضها حوالي ” 30 بوصة ” وطولها ” 6.5 قدم ” يتوسط الممر الغرف الواقعة على جانبه وتنقسم كل غرفة إلى جزئين علوي وسفلي بواسطة لوح أفقي يقوم مقام المشكاة لدفن الموتى ، تعرضت جميع المقابر للنهب في الماضي ولم يعثر على أية معثورات سليمة تماماً ، وقد تم اكتشاف عقد ذهبي يحتوي على سلسلة وقلادة هلالية ، كما عثر على أعداد كبيرة من التماثيل المصنوعة من المرمر كرؤوس للرجال والنساء ، يعـود تـاريخ هذه المقبرة إلى مطلع ” الألف الأول قبل الميلاد ” ، وانتهى الدفن فيها ” في القرن الأول الميلادي” .