
عُرف عن العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني حُبَّه للطرائف والنوادر والحكايات، وكان يرويها في مجالسه، وقد نقلها عنه الدكتور محمد عبد الرحمن غنيم في كتاب “حكايات وقصص من اليمن”
حمل العِمامة أهون من حمل أُمامة !
يحكي القاضي العمراني أن القاضي محمد بن علي الشوكاني –رحمه الله- كان يُصلِّي في مدينة “ذمار” فسقطتْ عِمامتهُ، فحملَهَا وهو في الصَّلاة، وأعادها إلى رأسهِ، وكان هُناك أعرابيٌّ يراهُ، فقال: يا شوكاني! هذه لمْ تعُدْ صلاة، هذا لعب. فقال الشوكاني: “حَمْلُ العمامة أهون مِنْ حَمْلِ أُمامة !” يُشير إلى الحديث النبوي الذي فيهِ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حملَ أُمامة بنت ابنتهِ في الصلاة، وهذه من الأجوبة المُسْكِتة، فَرَحِمَ الله الشوكانيّ.
سمع لله لِمَن خدره !
يحكي القاضي العمراني أنَّ رجُلاً تزوج امرأتين إحْداهُما كانت من قريةِ “حَمـده” –قرية تتبع لمحافظة صنعاء-، وهي تابعةٌ لقبيلة “بكيـل”، والأخرى كانتْ من قريةِ “خـدره” تابعةٌ لقبيلة “حَاشِد”، وكانت كُلُّ واحدةٍ تغار من الأُخرى، فقالتْ المرأة التي مِنْ “خدره”: أنتَ تُحب زوجتك الأُخرى أكثر منِّي، فقال الرجل: كَيْف؟ قالت: تذكرها دائمًا في صلاتِك، قال: في أي موضع؟ قالت: عِنْدما ترفع من الركوعِ تقول دائمًا: سَمِعَ الله لَمِن “حَمِدَهْ”، فلماذا لا تقول: سمِعَ الله لَمِنْ “خدره” ؟!.
بطش المهدي و فراسة الدوشان !
يحكي القاضي العمراني أن المهدي عبدالله أحد أئمة اليمن كان بطَّاشًا مُتعجِّلاً في سفك الدماء يرتعد منه الناس، وفي يوم من الأيام مرَّ بصنعاء القديمة راكبًا على فرسهِ، وعليه اللَّباس الغالي، وحوله الوزراء والدواشين –الدوشان هو شاعر القبيلة في اليمن وحافظ أنسابها وسفيرها بين القبائل الأخرى- ، وكانت الأيام أيام عيد الأضحى، فسقطت من إحدى البيوت حاجيَّات الكَبْشِ والدماء والأوساخ على المهدي عبد الله، فبُهِتْ الوزراء والحاشية من المفاجأة ! وتوقَّعـوا أن يأمر المهدي بقطعِ رأس الرَّجل صاحب البيتِ، ولم يدْروا ماذا يصْنعونِ ؟
فَمَا كانَ من الدُوشانِ إلاَّ أنْ أنشدَ بيتَ المُتنبي:
لا يَسْلمُ الشَّرفُ الرَّفيعُ من الأذى ** حتَّى يُراقُ على جَوَانبهِ الـدمُ
فضحكَ المهديُّ عبد الله، وضجَّ الوزراء إعجابًا ببديهةِ الدوشان، وألْقى كُلُّ واحدٍ ما في يدهِ من مالٍ على الدوشان، فمنْهُمْ من ألقى إليهِ خاتمهُ، ومنهم من ألقى إليه الفرانصي –الوحدة النقدية المستعملة آنذاك، وهو عملةٌ نمساوية فضية- ، ومنْهُم من ألقى إليه الجنبية، حامدين له إخراجِهِم من هذا الموقف المُحْرِج.
عجوز “حجة” والصينيين !
يحكي القاضي محمد –حفظه الله- :
كانت امرأةٌ فقيرٌ تسكن في حجة –محافظة تقع في شمال صنعاء- وكان لها قُرابة يطمئنون عليها بالمراسلة، وكانوا لا يستطيعون المجيء عندها؛ لأن الطَّريق بين حجة وصنعاء كانت وعرة جدًا وغير مرصوفة، فكان المُسافر يقطعها في عدّة أيام، وبعد فترة رُصف الطّريق بين صنعاء وحجة على أيدي الصينيين، فأصبحت قرابتُها هؤلاء يأتون إليها كثيرًا، ويحتاجون إلى ضيافة، وهي ليس عندها شيء، فتستقبلهم قائلة: أهلاً وسهلاً… لا رحِم الله الصينيين !.
– اللهم اسقنا الغيْثَ !
يحْكِي القاضي العمراني أن جزَّارًا كان يأتي إليهِ طفْلٌ يشتزِي من اللحم، وكان هذا الطفلَ يُتعب الجزَّار، ويعبث بأدواتهِ ويتقافز داخل الملحمة، والجزَّار في غاية الضيق، وفي يوم من الأيَّام استسقي أهل صنعاء، فنزلت الأمطار، ووقعت صاعقة، فأصابت هذا الطِّفل فأهلكته، فارتاحَ الجزَّار مِنْ عبثِ الطِّفل، ثمَّ جَاءهُ طِفلٌ آخر، وأخذ يفعل مثلَ ما كان يفعل الطِّفل الأول، فسألهُ الجزَّار عن اسمهِ وأسرتهِ، فقال: أنا أخو الولَدَ الذي أهلكتهُ الصَّاعقة، فأخذ الجزَّار يُقطِّعَ اللَّحم بالساطورِ وهو يقول: يا الله اسقينا الغيْثَ .. يا الله اسقينا الغيْثَ ! يُلَمِّحُ بأن تأتي صاعقةٌ أخرى فتأخذ الولد الثَّاني.
امتنع عن الخروج من النَّار !
يحكي القاضي العمراني أنَّ الإمام الشوكاني –رحمه الله- كان يُقرئ طلبتهُ “صحيح البخاري” وكانت تمر به أحاديث الشَّفاعة التي فيها خرجو أُناسٍ من الناَّرِ مِنْ بعد ما امْتُحِشوا، وكان هُناك طالب من الطَّلبةِ مُعتزلي العقيدة –والمعتزلة ينكرون الشفاعة الثَّابتة من خروج بعض المسلمين من النَّارِ- فكان هذا الطَّالب كُلَّما مرَّت أحاديث الشَّفاعة حاول أن يشوش ويعترض ويُناقش ويُجادل فما كان من الشوكانيّ إلا أن قال له: عندما يأتون لإخراجك مِنَ النَّارِ امتنع عن الخروج، وقُل: أنا مُعتزليُّ لَنْ أخرج…!
– على مذهب الطَّبَنْجَةِ !
هذا مثلٌ يضربهُ القاضي العمراني لِمَنْ فَعَلَ شيئًا مُكرهًا عَلَيهِ، فيقول: فَعَلهُ على مذهب الطَّبَنْجَةِ –والطَّبَنْجَةِ معناها البندق العربية القديمة، سلاح-.
يحكي القاضي أنَّ رجُلاً شَرِبَ خمرًا فسَكَرَ، وأمْسكَ بِغلامٍ أمْرَدَ، وذَهَبَ إلى أحد الشيوخ، وقال: اعقد لي على هذا الولد، فقال: كيفَ هذا؟ لا يجوز!. فأخرج السكْرانُ الطَّبَنْجَةِ، وهَمَّ بقتلهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ وذهب إلى شيخٍ آخر وفي يده الطَّبَنْجَةِ، فقال لهُ: اعقدْ لي على هذا الغُلام وإلاَّ فأنتَ تَرَى الطَّبَنْجَةِ، فقال الشيخ: مُدَّ يَدَكَ، بسم الله… وأوهمهُ بالعقْدِ، فخرج السَّكران وهو يقول: قد عَقَدَ لي الشيخُ على هذا الولَد، فدخل رجلٌ على الشيخ، وقال له: على أي مذْهبٍ عَقَدْتَ لهُ ؟! فقال الشيخ: على مَذْهبِ الطَّبَنْجَةِ. فصَـارَتْ مثلاً !.
أحد… أحد… !
يحكي القاضي أنَّ رجلاً كَانَ يضْربُ طفْلاً له، والولد يبكي ويجري ويقول: أحدٌ… أحدٌ… وأبوه يزيد من الضَّربِ ويقول: يا حمار… جعلتني أُميَّة بن خَلَف !.
– على مذهب الطَّبَنْجَةِ !
هذا مثلٌ يضربهُ القاضي العمراني لِمَنْ فَعَلَ شيئًا مُكرهًا عَلَيهِ، فيقول: فَعَلهُ على مذهب الطَّبَنْجَةِ –والطَّبَنْجَةِ معناها البندق العربية القديمة، سلاح-.
يحكي القاضي أنَّ رجُلاً شَرِبَ خمرًا فسَكَرَ، وأمْسكَ بِغلامٍ أمْرَدَ، وذَهَبَ إلى أحد الشيوخ، وقال: اعقد لي على هذا الولد، فقال: كيفَ هذا؟ لا يجوز!. فأخرج السكْرانُ الطَّبَنْجَةِ، وهَمَّ بقتلهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ وذهب إلى شيخٍ آخر وفي يده الطَّبَنْجَةِ، فقال لهُ: اعقدْ لي على هذا الغُلام وإلاَّ فأنتَ تَرَى الطَّبَنْجَةِ، فقال الشيخ: مُدَّ يَدَكَ، بسم الله… وأوهمهُ بالعقْدِ، فخرج السَّكران وهو يقول: قد عَقَدَ لي الشيخُ على هذا الولَد، فدخل رجلٌ على الشيخ، وقال له: على أي مذْهبٍ عَقَدْتَ لهُ ؟! فقال الشيخ: على مَذْهبِ الطَّبَنْجَةِ. فصَـارَتْ مثلاً !.
احتياطًا !
يحْكي القاضي العمراني أنّ رجلاً موسوسًا كَانَ يؤمّ النَّاس في أحد مساجدِ قريةٍ من القُرى، فكان في كلِّ صلاةٍ يسجد للسهو سواء وَقَعَ مِنْهُ ما يستحق أن يسجد له أو لم يقع، فسألهُ المصلّون: لِمَ هذا السجود المُسْتمر؟ فقـال: احتياطًا !.
وفي يومٍ من الأيام كان هذا الرجل راكبًا حمارًا، فأمال الحِمَار رأسه ناحية الأرض، وألقى بالرجلِ من على ظهرهِ، وأخذ الحِمار يضرب الرَّجُل بِقَدَميهِ، فتكسر الرجل، وجاء النَّاس لإنقاذهِ، فقال الرَّجُلَ –وهو مصاب- : العجيب أنَّ هذا الحمار ألقى بي مِنْ على ظهرهِ، ولم يكتفِ بهذا بَلْ زادني رفْسًا بِرِجليهِ، ألم يكفهِ إلقائي؟! فقال له النَّاس: احتياطًا… أراد الحمار أنْ يحتاط، فُربما لمْ تتكسَّر من الرَّمية الأولى، فَرَفَسَكَ برجْلَيهِ احتياطًا، فمذْهب الحِمار في الرَّفسِ كمذهبك في سجود السهو الإحتياطي !.