
عُرف عن العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني حُبه للطرائف والنوادر والحكايات، وكان يرويها في مجالسه، وقد نقلها عنه الدكتور محمد عبد الرحمن غنيم في كتاب “حكايات وقصص من اليمن”
خرج هذا العبد !
قال القاضي العمراني –حفظه الله- : كان الإمام المنصور علي إمامًا على اليمن في الفترة 1189-1224هـ وكان أسودًا كأنَّهُ عبد؛ لأنَّ أمّهُ كانت جارية حبشية، وأراد في يومٍ من الأيّام أن يدخل الحمام العام، فطلب من الحمَّامي أن يُفرِّغ له الحمّام ففرغه إلا من رجل كبير السنِّ شيبة، كان يغتسل ويتحمم، فأمر المنصور علي بتركهِ في الحمَّام، ودخل المنصور عليّ يتحمم بجوارِ الرجل الشيبة، وبعد دقيقة مرّ ابن الحمَّامي ليخدم المنصور عليّ، فناداهُ الرجل الشيبة، فقال الصبي: ماذا تريد؟ فقال الرجل الشيبة: أُريد أن تُبعد هذا العبد –وأشار إلى المنصور عليّ- من هنا؛ فإنَّه قد سدَّ نفسي بمنظرهِ الكريهِ عن الاستحمام، فأخذ الغلام الدلو وضربه به، فرآه المنصور عليّ وقال: ما هذا؟ لما تضرب الرّجل الشّيبة؟ أما عندك أدب؟ ما السّبب؟ فقال الصّبيّ: ما فيش، أي ليس هناك شيء، فقال المنصور: لابُدَّ من حبسك. فقال الصبيّ: يا سيدي، أنا كُنتُ في مصلحتكم، فقال المنصور: كيف؟ فحكى له الصّبيّ الحكاية، فضحك المنصور، وقال: ما نفعل؟ كان لا يُعجبهم إلا الجواري السود !
أجرة الهروب من السجن !
يحكي القاضي محمد –حفظه الله- :
بعد أن توفي الإمام صلاح الدّين الذي حكم اليمن في الفترة 773-793 هـ، أعلن الإمام المهدي نفسه إمامًا على اليمن، وأعلن الإمام عليّ بن صلاح الدين نفسه إمامًا على اليمن، وبايع أُناس، وبايع الآخر آخرون، وقامت بين الفريقين معركة بين الفريقين انتهت بهزيمة الإمام المهدي، وحُبس في السجن لمدِّة سبع سنين، ألَّف فيها كتاب “الأزهار”، وعليه اعتماد المتأخرين من الهادوية في الفقه، وشرحه بكتاب “الغيث المدرار”، وألَّف كتاب “البحر الزخار” كل هذا وهو محبوس، وفي هذه الفترة علَّم ولد السجّان القرآن، وقال له السجَّان: أجرك عندي أن أُطلقك من الحبس، فلمَّا أتمَّ الولد القرآن، فتح السجَّان باب السجن للمهدي ليهرب، وهرب معه السجّان وولده !
خير الأسماء ما عطعط !
يحكي القاضي –حفظه الله- :
أنَّه كان بمدينة صنعاء فقيه يُعلِّم الأولاد الصِّغار القُرآن، وكان في الأولاد أخوان، أحدهما يُدعى محمّدًا، والآخر يُدعى أحمد، وكان أبوهما غنيًّا، وكان معهما ولدٌ ثالث يُدعى عطيَّة، وكان والده فقيرًا، وفي يوم من الأيام أعطى الأخوان محمّد وأحمّد لهذا المُعلم فلوسًا، فمدحهما وأثنى عليهما، وقال: نعم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الأسماء ما عُبِّد وحُمِّد”، فقال له الولد عطية: وما عطعط يا مولانا !
حسن التعليل وسرعة البديهة !
كان القاضي أحمد بن ناصر بن عبدالحق المخلافي اليمني من العلماء الأدباء الشعراء، فاتفق أنّه خرج من الحمّام، فلقيه بعض أصدقائه، وسأله عن سبب دخوله الحمّام –والظاّهر أن النَّاس كانوا في مجاعة وأزمة، فكأنه استغرب تنعمه مع سوء حال النَّاس- فأنشده قول الشاعر:
وَلَمْ أَدْخُل الحَمَّامَ مِنْ أَجْلِ لَذَّةٍ ** وَكَيْفَ وَنَارُ الشَّوقِ بَيْنَ جَوَانِحِي
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْفِنِي فَيْضُ أَدْمُعِي ** دَخَلْتُ لأَبْكِي مِنْ جَميعِ جَوَارِحِي
وكان قد استعمل الحنَّاء وأثره على يده، فقال له: فما هذا؟ يُشير إلى الحنَّاء، فقال مُرتجلاً:
وَلَيْسَ خِضَابًا مَا بِكَفِّي وِإنَّمَا ** مَسَحْتُ بِهِ أَثَرَ الدُّموع السّوافِحِ
بأرة، وبغرة، وبقرة !!
يحكي القاضي محمّد –حفظه الله- :
في أيّامِ الحرب بين الجمهوريّة والملكيّة في اليمن في الفترة 1962-1967م، وكان الجيش المصري قد جاء لمساعدة الجمهوريّة، فكان الجندي المصري ربّما يتخفى في صورة يمنيّ إذا وقع في منطقة للقبائل التي مع الملكيّة، فكان بعض رجال القبائل يختبرون من يجدونه ليعرفوا حقيقته فيقولون له: قل “بقرة”، فإذا نطق بها عروفه؛ لأنَّهُ إذا قال: “بأرة” فهو مصري، وإذا قال: “بغرة” فهو من المناطق الوسطى تعز وما حولها، وإذا قال: “بقرة” بالجيم القاهريّة فهو صنعاني ! وربما يرتبون على ذلك مصيره، قتله أو تركه !
لنا بقية يوما يا يهودي !
اشتهر في كتب الهادويّة أنّ يهوديًا جاءَ يتقاضى دينًا من النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يكن اليوم الذي فيه موعد سداد الدّين قد انتهى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لنا بقية يوما يا يهودي” –والحديث لا يصح-، أي أننا وعدناك أن نسد دينك في هذا اليوم، ولكن اليوم لم ينتهِ، فأمامنا مُهلة إلى بقية اليوم.
يحكي القاضي –حفظه الله- لطيفة بمناسبة هذه الرواية:
وهي أن الشيخ علي فضة كان يُدرس بالمدرسة العلميّة، وكان من عادتهِ مع الطّلبة أن يذكر بعضًا من الحديث والطّلبة يرددون بصوتٍ عالٍ بقيّة الحديث، فمثلاً يقول: إنما الأعمال بإيش؟ فيقولون بصوت واحد مرتفع: بالنّيات.
فكأن الطّلبة كان لا يعجبهم أسلوبه، فلما جاء عند هذا الحديث وقال: لنا بقية يومنا، يا إيش؟ فقال الطّلبة بصوتٍ عالٍ غير معتاد: يا يهودي، ففهم أنها مقصودة فغَضَبَ !
عُقلاء المجانين !
يحكي القاضي العمراني –حفظه الله- :
دخل أُناسٌ عند ملك، ودخل معهم مجنون معه جرّة، فقال:
ولَّما رَأَيْتُ القوْمَ شدّوا رِحَالَهُم ** إِلَى بَحرِكَ الطَّامِي أَتَيْتُ بِجرَّتِي
فأَمَرَ الملكُ بأن تُملأ جرته ذهبًا، فخرج بها المجنون فتصدّق بها، فلما سأله الملك عن هذا، أنشد قائلاً:
يَجُودُ عَلَيْنَا الخَيّرونَ بِمَالِهِم ** وَنَحْنُ بِمالِ الخَيّرينَ نَجودُ
فقال الملك: أملأوا جرَّتهِ عشر مراتٍ ذهبًا، فأخذها وخرجَ !
أهـلاً وجبـلاً !
حكى القاضي مُحمدّ –حفظه الله- :
أرادَ العلاّمة الموسوعيُّ شيخ العروبة أحمد زكي باشا أن يزور اليمن في عهد الإمام يحيى حميد الدّين، فلمّا وصل إلى الحديدة أحضروه إلى صنعاء على بغلة، وخافوا أن يحملوه على السيّارة؛ خوفًا من حوادث الطّريق، وهو في الطّريق بين الحديدة وصنعاء، كان لا يرى حوله إلا الجبال الشامخة المُرتفعة التي لم يرَ مثلها، فلمّا وصل إلى الإمام يحيى، قال له: أهلاً وسهلاً، فقال شيخ العروبة: قل: أهلاً وجبلاً.. أين السّهل عندكم ؟!!
ومما يناسب ذكره هنا قصة أحدهم التي أخبر عنها ويقول فيها: أخبرني أحد الأخوة أنَّه كان مُسافرًا يومًا مع أسرته على طريق جبليّ، وأثناء صعودهم كان أحد أطفاله يتأملّ المُرتفعات الشَّاهقة المُحيطة بالطَّريق، فسأل أباه –وقد أصابه الملل- : أبي، كم بقي من الوقت حتَّى نصل إلى السَّماء ؟!.
خَادِمُ الشَّامي وأنَسْ بن مالك رضي الله عنه !
كانَ السيِّدُ العلاَّمة هَاشِم بِنْ يَحيى الشَّامي من أكابر عُلماء صنعاءَ واليَمَنَ فِي القَرْنِ الثاني عشرَ الهِجري وكَانَ يَسْكُنْ بحارةِ “العلمي” بصنْعاءَ القديمة، فَمَرِضَ بالفَالِجِ –أي الشَّلل النّصفِي- فَجَاء إمام اليمن في تِلكَ الفترةِ المنْصور حسين بن المتوكِّل لزيارةِ الشَّامِي في بيتهِ، فَلمَّا وَصلَ المنْصور حسين إلى بيْتِ الشَّامي، كَانَ في استقبالِهِ خَادمٌ قديمٌ للعلاَّمَة الشَّامي، فَأرادَ الإمام المنصور أنْ يُدَاعِبَ ذلِكَ الخَادم، فَقَال لهُ: كَمْ لَكُمْ عِندَ الوالد هاشم الشاميّ؟ قال الخادم: أنا في خِدْمَتِهِ مُنْذُ عَشرِ سنين، فقال المنصور: مُنْذُ عشر سنين! هذه المُدَّة خَدَمَ فيها أنَس بنُ مالكٍ رضي الله عنه النَّبي صلى الله عليه وسلم فَحَفِظَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم آلاف الأحاديثِ، وعِلْمًا جمًّا، فَمَاذا حَفِظتَ أَنتَ مِنْ عِلْمِ الوالدِ هاشم الشاميّ؟ فقال الخادم: مَا كَانَ عِنْدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بقرة يعصب لها أنس بن مالك –التعصيب نوعٌ من طعام الحيوانات، يجمع القضب والذرة فيعصبهما معًا- ولو كانَ للنَّبي صلى الله عليه وسلم هذه البَقَرة مَا حَفِظَ أنس بنُ مالكٍ حديثًا واحدًا، فَضَحِكَ المنصور وتَعَجَّب مِنْ قُدْرةِ الخادِمِ على الجوابِ المُسْكِتِ !