
“ترنيمة الشمس” هو الاسم الذي أطلقه الباحث اليمني يوسف محمد عبدالله، على نقش مسندي عثر عليه أثناء إحدى رحلاته الأثرية عام1977 في (ضاحة الجذمة، وادي قانية في مديرية السوادية، محافظة البيضاء)، وعد اكتشافاً نادراً من حيث أنه أبرز نص أدبي يصلنا من اليمن القديم، وينتمي إلى الادب الديني، باعتباره نصاً استسقائياً ابتهالياً، وترجع أهميته إلى إمكانية ما يدل عليه من أدب اليمن القديم، بالإضافة إلى كونه قد يدلنا على أدب عربي ربما سبق ما يعرف بالشعر الجاهلي.
والنص مكتوب بلغة المسند على صخرة كبيرة في ضاحة الجذمة، ويتألف من 27 سطراً، أبرز ما في هذا النقش هو (خاتمة كل سطر فيه، حيث ستكرر حرفان هما الحاء والكاف في كل سطر، وإن عدد حروف كل سطر تتراوح بين ثلاثة عشر حرفاً وسبعة عشر حرفاً والغالب هو ستة عشر، ورغم ان انعدام أصوات اللين والحركات “يقتل” أية محاولة مثمرة لدراسة التفاعيل ان وجدت، إلا أن لزوم الحاء والكاف في آخر كل سطر سبعاً وعشرين مرة متتالية: يغري باعتبار ذلك قافية ممكنة). وقد نقل الباحث مبناه بالحرف العربي المعروف على هذا النحو:
نشترن/ خير/ كمهذ/ هقحك
بصيد/ خنون/ مأت/ نسحك
وقرنو/ شعب/ ذقسد/ قسحك
ولب/ علهن/ ذيحر/ فقحك
وعليت/ أأدب/ صلع/ فذحك
وعين/ مشقر/ هنبحر/ وصحك
ومن/ ضرم/ وتدأ/ هسلحك
ومهسع/يخن/ أحجي/ كشحك
ونوي/ تفض/ ذكن/ ربحك
وصرف/ ألغذ/ دأم/ ذوضحك
وجهنللت/ هنصنق/ فتحك
وذي/ تصخب/ هعسمك/ برحك
وين/ مزر/ كن/ كشقحك
ورسل/ لثم/ ورم/ فسحك
وسن/ صحح/ دأم/ هصححك
وكل/ يرس/ عرب/ فشحك
وكل/ أخوت/ ذقسد/ هبصحك
ولليت/ شظم/ دأم/ تصبحك
وكل/ عدو/ عبرن/ نوحك
وكل/ هنحظي/ أملك/ ربحك
وأك/ ذتعكد/ أرأ/ كفقحك
ومن/ شعيب/ عرأن/ هلجحك
وجب/ يذكر/ كلن/ ميحك
حمدن/ خير/ عسيك/ توحك
هنشمك/ هندأم/ وأك/ صلحك
هردأكن/ شمس/ وأك/ تنضحك
تبهل/ عد/ أيسي/ مشحك
ويوسف عبدالله يرى أنه ينتمي إلى نمط من النصوص (مألوف في الشرق القديم عموماً، إلا أنه نص جديد ومثير بالنسبة لليمن القديم ويعكس شيئاً من ثقافة عرب اليمن قديماً. كما أنه يخرج عن إطار ما نألفه في أشكال آلاف النقوش اليمنية ومضامينها، والتي وصلتنا إلى اليوم). وقد قام بترجمته على هذا النحو:
نستجير بك يا خير فكل ما يحدث هو مما صنعت
بموسم صيد خنوان مائة أضحية سَفَحْت
ورأس قبــــــــيلــــــــــــــة «ذي قــــــــــــســـــــــــد» رفــــــعـــــــــــت
وصدر علهـــــــــــــــــــــــــــــــان ذي يحيــــــــــــــــر شرحــــــــــت
والفقـــــــــــراء في المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــآدب خبـــــزاً أطعــمت
والعين من أعلـــــــــــــــــــــــــى الــــــــــــــــوادي أجــــــــــــريت
وفي الحرب والشدة قوّيت
ومن يحكم بالباطل محقت
وغدير «تفيض» لما نقص زيدت
وليان «العز» دائما ما بيضت
وسحر اللات إن اشتد ظلامه بلجت
ومن يجأر ذاكراً نعمك رزقت
والكرم صار خمراً لما أن سطعت
وللإبل المراعي الوافرة وسعت
والشرع القويم صحيحاً أبقيت
وكل من يحفظ العهد أسعدت
وكل أحلاف ذي قسد أبرمت
والليالي الغدر بالاصباح جليت
وكل من اعتدى علينا أهلكت
وكل من يطلب الحظ مالاً كسبت
ورضي من تعثر حظه بما قسمت
وفي (الشعيب) الخصب أزجيت
وبئر «يذكر» حتى الجمام ملأت
الحمد يا خير على نعمائك التي قدّرت
وعدك الذي وعدت به أصلحت
أعنتنا يا شمس إن أنت أمطرت
نتضرع إليك فحتى بالناس ضحيت.
ويرى يوسف عبدالله إن نصاً هذا معناه ينبغي أن يمثل نمطاً من (الأدب الديني) الذي يتوقع إبداعه في بلد كاليمن، يعتمد اعتماداً كبيراً على الأمطار الموسمية وإذا ما تلكأ تنزُّل الغيث عن موسمه زمناً، يلجأ الناس إلى الاستسقاء. وقد يستقون بأمور كثير. وهي سنة حسنة وعادة معلومة بين الناس، وربما كانت قديمة قِدَمَ الإنسان نفسه في أرضه، وصلاة الاستسقاء مندوبة في الإسلام ودعاء الاستسقاء متواتر ومعروف.
وفي بعض القرى اليمنية يشمل شعائر الاستسقاء بقايا عادات متوارثة كتقديم الأضاحي في بعض الجبال، حيث مساقط المطر أو الأماكن التي تشتد فيها الأمطار عادة وتكثر السيول زمنها أن يكتبوا سورة من القران مثل سورة( الواقعة) على ثمرة اليقطين الجافة ثم يعلقونها في مكان عال حتى يتنزل الغيث.
وينتهي الباحث متسائلاً (هل نحن أمام نص يقوم معناه ومبناه على أسس فنية معلومة كأي نوع من أنواع الأدب الجميل كالشعر والنثر؟ هل نحن أمام أنشودة دينية ذات نسق نغمي معين ينتهي بالقافية؟ وهل نحن أمام سجع يمني قديم على طريقة سجع الكهان في الجاهلية ؟ هل نحن أمام نوع أدبي قديم يسبق الشعر العربي الذي عهدناه في الجاهلية ويمهد له؟ هل نحن أمام أول نموذج للنظم في اليمن القديم؟
وهل نحن أمام بداية الشعر العربي كافة؟ فمبلغ العلم استناداً إلى الدليل الخطي أن هذا النص يعود في اقل تقدير إلى الثلاثة القرون الأولى بعد الميلاد. فهو يقع على مقربة من قصر كبير من أهم قصور آل معاهر، اقيال إتحاد قبائل ردمان وذي خولان، وهو مقر هجر قانية ولا تبعد هجر قانية عن هجر وعلان( المعسال حديثاً) حاضرة آل معاهر وفيها مقر شحرار الذي نقش على صخوره عدد وافر من النقوش اليمنية القديمة وبعض هذه النقوش الهامة مؤرخة، ويعود تاريخها إلى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد.
وتدل آثار تلك المنطقة من خرائب ولُقىِّ أثرية ونقوش، على حضارة وديان راقية لا تقل مستوى عن حضارات وديان مشرق اليمن الأخرى. وكان أهم اله يعبد في هذه المنطقة هو اله الشمس بخلاف كثير من مناطق اليمن حينذاك وللشمس معبد كبير في جبل شحرار المذكور وكانوا يلقبونها عالية وهو لقب معروف عند غيرهم أيضاً. ولها معبد آخر عثرت عليها في سوق الليل شرقي قرية الخرابة الواقعة بين الاغوال وردمان، وهو معبد مستطيل حوالي ( 25×30) مترا ومازالت صفوف من حجارته المهندمة باقية. وشاهدنا بعض المواطنين يقومون بتكسير تلك الأحجار وبتهديم آثار ذلك المعبد القصي والذي بني بناءً بديعاً كما تبئ عنه أثاره.
المصادر: 1- حولية الاثار اليمنيه مجلة ريدان - العدد الخامس 1988م.