
كيف تحلل نصا شعريا ؟ لدراسة أي نص شعري، وتحليله لابد فيه من الخطوات الآتية:
تعريف عام ومجمل بالشاعر أو صاحب النص
وهذه النقطة تحديدا قد لا تكون ملزمة للناقد الحديث مالم يكن ملما بسيرة الشاعر عن قرب. وسوف نمثل هنا بنص الشاعر أبي نواس الذي يمتدح فيه اﻷمين الخليفة العباسي فنبدأ بالقول مثلا :
“يعتبر أبو نواس أحد شعراء العصر العباسي الأول، ومكانته بين الشعراء في ذلك العصر كبيرة ؛ لما يمثله شعره من ثورة على الأعراف والتقاليد ، والأخلاق ؛ إذ يعد أبو نواس من أهم الشعراء الذين صوروا مجون هذا العصر وترديه الخلقي. بالرغم من أنه تربى في مجتمع إسلامي، وتزود بالكثير من العلوم الدينية في صغره- كما تذكر المصادر – ولكن هذا لا يعني أن أبا نواس اقتصر شعره على موضوعة المجون وحسب لأن ما تركه لنا من تراث شعري يقول غير ذلك أيضا ،فهو أحد الشعراء المجددين في القالب القديم كما استطاع أن يجمع بين عدة قوالب شعرية وموضوعية في شعره من خلال المدائح والأهاجي والمراثي والغزليات والخمريات التي تميز بها ؛ حيث جدد في المعاني والألفاظ على نحو لم يستطع الكثيرون من عصره على مجاراته فيها …إلخ..
ثم ننتقل إلى:
- الجو الذي تضعنا فيه القصيدة (ماض – مستقبل – حاضر) مع الإشارة إلى الوعاء اللغوي للنص: هل يحمل النص معاني قديمة أو جديدة..كأن نقول:
وأمامنا الآن نص شعري يعد من مدائحه المشهورة في الأمين – الخليفة العباسي – والتي يجاري فيها الموضوعات القديمة ويسلك فيه مسلك من سبقه من شعراء العصر الجاهلي ؛فنراه يبدأ بموضوع الوقوف على الأطلال ،كعادة الشعراء الجاهليين. ثم ينتقل إلى وصف الناقة ، ومنها إلى الموضوع الرئيسي للنص وهو موضوعة المدح. ويلاحظ أن الشاعر قد اتخذ قالبا لغويا يقع وسطا بين عصره وعصر الأقدمين فهي لغة تميل إلى بعض الخفة، والرشاقة ،التي قلما نجدها في مدائح شعراء العصر الجاهلي، مثل قوله:
أيّـامَ لا أغشى لأهْلِـكِ مَنْـزِلاً
إلاّ مُـرَاقَـبَـة ً، عليّ ظَـلامُ .
وهذا تجديد لغوي يحسب لصالح النص النواسي…….إلخ
وتمهيدا للخطوات التالية يستطيع الناقد أن يثبت النص كاملا لدراسته، بمشاركة القارئ، أو يقوم باختيار أجزاء منه. للتوقف عندها، ومن الأفضل إثبات النص كاملا، ثم اختيار نماذج حصرية منه لتحليلها كأن نقول: وهاكم النص. أو نأتي لسطر جديد ونكتب:
النص ..
يا دارُ! ما فعَــلــَتْ بكِ الأيّـــامُ
لم يبق فيك بشاشة تستامُ…الخ القصيدة .
وعلى ضوء، وواقع النص المثبت نبدأ بتحليل العناصر اﻵتية:
- شرح الأفكار ومستواها كالجدة والتلاؤم وارتباطها ببعضها ومناسبتها للموضوع . (يراعى قبل ذلك تقسيم النص إلى وحدات موضوعية) ليسهل شرح أفكاره المحورية. وأثناء تحليل اﻷفكار لا ننسى:
- التوسع في دلالات بعض الجماليات التي يحتفي بها النص.
ولا يعد التحليل الأدبي مستوفيا مالم تستكمل العناصر الآتية :
-
دراسة الخيال وصوره كالغرابة والجدة والقدم والمصادر:
ونستطيع أن نتطرق للخيال ونحن نحلل الأفكار مثل قولنا : فيقول بأن وراء الحجاب رجلاً وضاء الوجه، كريماً، لا يمكن لمن يصله أن يبقى فقيراً، فهو فريد لا يمكن أن يضاهيه ملك في صفاته الكريمة، فيطلق عليه صفات الشجاعة والسخاء، فالحسام هو السيف، وقد ذكره ليضفي على الخليفة صفة الشجاعة والإقدام، وهذه الصفات ما هي إلا من باب التبجيل والترفيع له).
(ملكٌ ، إذا اعْـتَـصَـر الأمـورَ ، مَضى بهِ
رَأيٌ يَـفُـلُّ السّيفَ ، وهو حُسامُ)
-
دراسة الجمال الفني في هذا البيت مثلا يكون على هذا النحو :
ونلاحظ أن الشاعر قد كرر لفظ (ملك) ست مرات في سبعة أبيات متتالية كتأكيد على إضفاء مزيد من المهابة والجلال على شخصية ممدوحه ،وفي التكرار دلالة تتصل بنفسية الشاعر وقربه من ممدوحه وفيه (تـلذذ عشقي) بذكر المدوح – بصفته الجلالية العليا التي تتجلى فيها الحكمة والعقل والسداد.
(مَلِـكٌ ، إذا اعْـتَـصَـر الأمـورَ)
فاعتصار الأمور إشارة إلى حكمة الخليفة في عدم التسرع في إصدار الأحكام عند تناول أمر من الأمور..وقد لعبت الاستعارة البلاغية دورا دلاليا عميقا في إيصال رمزية هذه الصورة إلى المتلقي ..والتي أتبعها بصورة تفصيلية (رَأيٌ يَـفُـلُّ السّيفَ) .. زيادة في المبالغة. فقد جعل سداد الرأي لدى الممدوح أشد من حدة السيف (الحسام) كتدعيم وتفصيل للدلالة الأولى لفرض معادل (صرامة السيف) ليفسر بها (سداد الرأي) الذي جعله الشاعر أشد من صرامة السيف بقوله:
رأي يفل السيف: أي يحدث به شرخا وكسرا …..إلخ..
-
دراسة الأساليب اللفظية للنص كالجزالة والرقة والتلاؤم مع المعاني الموضوعة.
نستطيع أن ندرس الأساليب اللفظية أثناء دراسة الخيال لارتباط هذا المنحى بالجمال الفني.
- دراسة موسيقى النص والتأثير الإيقاعي الداخلي والخارجي ومنها القافية ومدى ملاءمتها للنص أم أنها مجرد ألفاظ لاتؤثر بالمعنى.
هذا العنصر بحاجة إلى ناقد متمرس بالعروض والتفاعيل الشعرية التي يتركب النص في قالبها.
فعن نص أبي نواس نقول :
النص هنا ينتمي إلى تفعيلة بحر الوافر:
(متفاعلن. متفاعلن. متفاعلن. متفاعلن .متفاعلن. متفاعلن) وهو بحر يميل إلى بعض الرشاقة ويصلح لموضوعات المدح. وقد وفق الشاعر في موسيقى النص الخارجية لعدم تكلفه في الموسيقى.
ملاحظة:
الناقد بحاجة لربط الموسيقى بالنص ربطا وثيقا لأن الموسيقى لها تأثير أفقي على معاني النص وهي منطلق إلى القافية وربطها بالإيقاع .وهذا موضوع طويل ..لكنه مهم لكل ناقد ودارس أدبي.
- عاطفة النص ودراسة الصدق والنشاط لهذه العاطفة ومدى جلائها لموضوع النص.
ويمكن أن يدرس هذا العنوان ضمن عنصر الأفكار المحورية للنص.
- دراسة ذاتية الشاعر وأثر شخصيته في العاطفة واللغة والخيال والموسيقى ومدى صلة الشاعر بالنص.
ويمكن أن يدرس هذا العنوان ضمن عنصر الخيال ولغة النص لارتباطه بها..
- حكم مجمل على النص (خلاصة).. بعد الانتهاء من التحليل يحتاج الناقد إلى خلاصة (ما) يختم بها دراسته النقدية .
كأن نبدأ بهذه العبارة :
ويمكن لنا أن نقول في خاتمة هذه الدراسة أن……………………
أو: ختاما نقول : ……………………. أو: ومما تقدم نخلص إلى:……..إلخ.
ملاحظة مهمة:
يراعى ألا تكون هناك فواصل توحي بانقطاع أي عنصر عما سبقه أثناء التحليل النقدي ،أو يتم تقسيم النص إلى عناوين مثل: الجو الذي تضعنا فيه القصيدة – ذاتية الشاعر – الموسيقى والإيقاع…الخ.