
بعد قرن ونصف من الاضطرابات، تمكن شمر يهرعش من توحيد ممالك اليمن القديم وإخضاعها تحت حكم مملكة واحدة، ولا توجد دلائل أنه أبقى على بعض الأقيال لتحكم أراضيها ذاتيا كما كان يفعل المكاربة والملوك في عصور مضت.
قام الحميريون بترميم سد مأرب وأنهوا النزاعات وأخضعوا القبائل من جديد فنعمت اليمن بعصر من الاستقرار مكن الحميريين من مواصلة سياسة أسلافهم. ورد اسم شمر يهرعش لثلاثة ملوك حميريين وهناك إجماع أن شمر يهرعش الثالث حكم مع والده ثم انفرد بالحكم.
شمر يهرعش هو “شمر يرعش” في كتابات أهل الأخبار الذين اختلقوا الأساطير وراء هذه التسميات، إذ جعلوه معاصرا للملك سليمان وحاكما بعد بلقيس. هذه الأخبار الموضوعة تثبت أن الإخباريين واليمنيين منهم تحديدا كانوا على علم بماضي أجدادهم ولكنهم لم يستطيعوا قراءة رموز خط المسند واعتمدوا على قصص كبار السن والذاكرة الشعبية لتدوين هذا التاريخ. توفي شمر يهرعش عام 330 للميلاد حسب معظم التقديرات.
أسعد الكامل
تولى الحكم بعد شمر عدد من الملوك واختلف الباحثون في ترتيبهم إلى أن ظهر ملك حميري يدعى أسعد الكامل. ورد في مسند الإمام أبي حنيفة النعمان أنه أول من ضرب الدينار. تولى الحكم عام 378 ميلادية. عثر على اسمه مدونا بخط المسند في موضع يقال له “مأسل الجمح” في محافظة الدوادمي السعودية حالياً. قد بني الحصن ليكون موقعا لقوات حميرية تحمي القوافل الخارجة من اليمن والعائدة إليه. وهو موقع مهم يصل اليمن بنجد وشرق الجزيرة العربية.
عاش هذا الملك فترة طويلة فهو تولى الحكم قرابة 378 للميلاد إلى جانب والده حينها ويبدو أنه كان لايزال شابا يافعا وتوفي عام 430 ميلادية أو بعدها بقليل فتكون مدة حكمه قرابة الخمسين عاما. كان ملكا قويا ولذلك كثر ذكره ولم تنساه الذاكرة العربية فقد ذكر الطبري أنه وصل الصين وهي مبالغة بلا شك ولكنها انعكاس للأثر الذي تركه. توفي الكامل وتولى الحكم بعده ملوك اختلف الباحثون في ترتيبهم وذكرهم بعض أهل الأخبار.
اكتشف نص في 450 ميلادية يشير إلى تصدع كبير أصاب سد مأرب مما جعل الملك يستعين بعشرين ألف عامل لقص الأحجار من الجبال وبناء أبواب ومنافذ جديدة لخروج الماء وصرف معاشات للعمال. وكان لذلك أثر سيء على كثير من القبائل التي تركت مواطنها خوفا من الموت. وللأسف لم يخبر النص عن أسماء هذه القبائل وفيه دليل على وجود أصل تأريخي للروايات العديدة التي يرويها الأخباريون عن تهدم سد مأرب وتفرق سبأ وإن كان يشوبها الخرافة والأساطير. هناك اختلافات بين الباحثين في ترتيب وأعداد الملوك إلا أن الإجماع أن سقوط حمير كان بمقتل يوسف أسأر عام 525 ميلادية.
السقوط
بعد مقتل يوسف، نصبت أكسوم حاكما دمية يدعى شميفع أشوع. ذكر المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس أن عدداً من الجيش الأكسومي آثر البقاء في أرض الحميريين لإنها جيدة جدا على حد تعبيره. أحد هؤلاء كان أبرهة الأشرم قائد الجيش الذي أعلن نفسه “ملكاً بسم المسيح والروح القدس”. استمر الاقتتال لفترة حتى وصل لأسماع المتقاتلين عن تصدع هو الثالث وقبل الأخير أصاب سد مأرب كما يقرأ من النص المسندي الذي يعود لعام 542 ميلادية. توصلوا لهدنة لإعادة ترميم السد وكان آخر ترميم يجرى عليه. نسبوا إلى أبرهة هذا قصة بعد الإسلام لم يرد عنها نص مدون بخط المسند ولا كتابات البيزنطيين.
دخل اليمن عصرا من الانحطاط قبيل الإسلام مما مكن مكة بأن تصبح مركزا تجاريا مهما بل ربما الأهم في الجزيرة العربية لبعدها عن مراكز الصراع. لم تكتشف كتابة تشير إلى الحقبة الفارسية في اليمن فتاريخ البلاد يكاد يكون مجهولا خلال هذه الفترة سوى ما توارد عن كتابات بيزنطية بسيطة عن وجود الفرس في عدن. حكم الحميريين كاذواء بدون سلطة فعلية إلا على قبائلهم، ويقول صاحب المفصل:
“أستطيع أن أقول إن وجود الفرس في اليمن وحكمهم البلاد كان خرافة، وربما وجودهم كان اقتصر على عدن وكان تجارياً، كان الحكم الواقعي للأقيال امراء القبائل. ولا عبرة لما نقرأه في الموارد الإسلامية من استيلاء الفرس على اليمن، لأن هذه الموارد تناقض نفسها حين تذكر أسماء الأقيال الذين كانوا يحكمون مقاطعات واسعة من اليمن في الحقبة الفارسية، وكان منهم من لقب نفسه بلقب ملك، وكان له القول والفعل في أرضه، ولا وجود لسلطان فارسي عليه”
استفرد أحد الساتراب بالحكم في العام 598 ميلادية ودخل أحد هؤلاء إلى الإسلام. طردهم الأسود العنسي وأعلن نفسه ملكا ونبيا إلى أن قُتل وفقا لمصادر متأخرة.