
مملكة سبأ، نشأت في الفترة ما بين 1300 – 1000 قبل الميلاد وكانت اتحادا ضم عدداً كبيراً من القبائل ويُعرف انتماء القبيلة في نصوص خط المسند بعبارات دلالية من قبيل أبناء الإله إلمقه أو أبناء الإله عم و”سبأ وأشعبهمو” (سبأ وقبائلهم) وماشابهها من عبارات ساعدت الباحثين في تحديد انتماءات وأصول القبائل.
استطاع عدد من المكاربة من تشييد عدد من السدود الصغيرة لحفظ المياه والاستفادة من مياه الأمطار لري الأراضي واكتشف عدد من الرسومات الفنية والنقوش المصورة لحيوانات في الغالب تعود إلى هذه الفترة ونقوش تشير إلى بناء وتشييد لمعابد، معبد اوام تحديدا وذلك في القرن الثامن قبل الميلاد. أقام السبئيون علاقات تجارية مع الهند والآشوريين واشتهروا بكونهم تجار عطور وطيب وبخور وذهب وفضة وبهارات وكلها عناصر مهمة للعالم القديم.
ورد في نص آشوري للملك سرجون الثاني تلقيه هدية من مكرب سبئي يدعى يثع أمر، ووجد اسم المكرب في نقوش يمنية. ووجدت كتابة أخرى للملك سنحاريب وتشير إلى تلقيه هدية من مكرب يدعى كرب إيل أو كرب إيلو حسب اللفظ الآشوري. ويستبعد أن نفوذ الآشوريين وصل إلى اليمن وهدف إرسال الهدية كان مجرد تعبير عن الصداقة التي تجمع سبأ وآشور لارتباطات تجارية قديمة بينهما ومن باب التلطف للآشوريين إذ كان للسبئيين تجارة في أسواق بلاد الرافدين. ويعود تاريخ الكتابة إلى 715 ق.م ولم يورد الآشوريين اسمه كاملا في النص مكتفين بكرب إيل واسمه الكامل كرب إيل بين. لقبه الآشوريين بملك وهي دلالة على عدم معرفتهم بألقاب حكام العربية الجنوبية في تلك الفترة.
حدود مملكة سبأ
في بدايات القرن السابع قبل الميلاد، غير المكرب كربئيل وتر لقبه من مكرب سبأ إلى ملك. يعتقد أن ملك مملكة أوسان بدأ بالهجوم واستطاع السيطرة على ممالك صغيرة تابعة لمملكة حضرموت وقتبان. توجه الملك إلى المناطق الساحلية الجنوبية الغربية لليمن للسيطرة على الممالك التي استولت عليها أوسان. استطاع إخضاع هذه الممالك ومنعها من أي محاولة للاستفراد بالطريق التجارية. وترجمة أوسان أو “أوسن” كما وردت في نصوص المسند هي الأوس، لأن النون في آخر الأعلام هي أداة التعريف بلغة السبئيين.
كانت سبأ قد بلغت أوجها حتى أواخر القرن الثاني أو بدايات الأول ق.م. كان كربئيل وتر ملكا محاربا ودون هذا الملك كتابة طويلة يحكي فيها إنجازاته عرفت الكتابة عند المستشرقين باسم “كتابة صرواح”.
هيمنت سبأ على جنوب الجزيرة العربية وبقي الملك في سلالة هذا الملك أمداً طويلاً من القرن السابع ق.م وحتى القرن الثالث ق.م إثر انقلاب قام به الملك وهبئيل يحز. ووردت عدة نصوص في نفس الفترة عن تأديب قوات من حاشد لبدو لم يحددوهم تطاولوا على أربابهم ملوك سبأ كما يُقرأ من النص، وتم استرداد أموال سلبها هؤلاء البدو وأُخذوا إلى معبد المقه بمأرب لينظر في مصيرهم.
بناء السدود
قام عدد من المكاربة بإنشاء عدد من السدود وعملوا على إيصال المياه إلى مناطق عديدة في اليمن. قام بتعلية سد رحبم وتقوية دعائمه فزاد مساحة الأراضي الزراعية وازداد ثراء المزارعين في هذه الفترة وبالذات في مأرب التي أصبحت تنافس صرواح عاصمة سبأ في تلك الفترة حوالي القرن الثامن ق.م. يظهر في هذه الفترة نقوش عن عدد من الحروب والانتصارات لسبأ على معين وقتبان ونجران وكعادة النقوش فإنها لا تبدي أسبابا للاقتتال وتكتفي بذكر الموقع واسم الملك وعدد القتلى المبالغ فيه عادةً من الجانب المهزوم. وكان عدد القتلى في نجران هو الأعلى خلال حملة المكرب يثع أمر بين هذه إذ ورد في النص أن خمسة وأربعين ألف شخص قتلوا خلال إحراقه لمدنها وقراها.
إصلاحات
وشهد القرن السابع والسادس إصلاحات وتشييد لأبراج وقلاع وحصون وتحسين نظام الري وبناء عدد من السدود وإيصالها ببعضها البعض. واستخدمت الأحجار الكريمة مثل البلق لبناء الأبراج في تلك الفترة. كانت مملكة كندة القديمة التي تعاقب على دعمها أكثر من ملك في صنعاء ومأرب من يوفر الأمان للقوافل التجارية الخارجة من اليمن إلى العراق وفارس وكانت مملكة ديدان تقوم بنفس الوظيفة ولكن للقوافل المتجهة نحو الشام ومصر ودول البحر الأبيض المتوسط وغيرها من الممالك المنتشرة على طول الطريق التجارية. لم تكن علاقة هذه الممالك في الصحراء جيدة دائما مع ممالك اليمن، فتظهر عدد من النصوص عن استغلال سلطتهم على الأعراب لشن هجمات على قوافل خارجة من اليمن أو عائدة إليه على حسب الظروف والمصالح.