
يقع جامع الجند في القسم الشمالي الشرقي من مدينة الجند الواقعة على بعد 22 كم شمال شرق بمدينة تعز، ويعود تأسيسه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتحديداً إلى السنة العاشرة من الهجرة النبوية.
ويعد جامع الجند من أقدم مساجد اليمن وأكثرها شهرة وقدسية من المساجد الأخرى في البلاد، لأن من بناه هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كلفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالذهاب إلى اليمن ليكون والياً عليها وليدعو أهلها إلى الإسلام ، كما أن اختيار الموقع الذي بني فيه.
كما ورد في كتب السيرة بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ أمر معاذاً بأن يبني المسجد في الجند بين السكاسك والسكون قائلاً له :”يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند فحيثما بركت هذه الناقة, فأذن وصل وابتن مسجداً ” وقد أقام المسجد حيث بركت ناقته .
وتشير المصادر التاريخية إلى أن معاذ بن جبل اجتمع ببني الأسود الذين كان لهم رياسة الجند في أول جمعة من رجب فوعظهم وصلى بهم فكانت أول جمعة تقام في اليمن فاتخذها الناس منذ ذلك اليوم عيداَ يقام كل سنة في أول جمعة من رجب حيث يتجهون إلى جامع الجند للصلاة فيه وإقامة الشعائر الدينية والتقرب إلى الله.
مخلاف الجند
الجند كانت حينها أهم مخاليف اليمن وهي تنسب إلى جند بن شهرات أحد بطون قبيلة المعافر ، إذ كانت تقسم اليمن حينئذاك إلى ثلاثة أقاليم”مخاليف” هي الجند وحضرموت وصنعاء ،أما اليوم فلم تعد من شهرة للمكان سوى بقاء هذا المعلم الديني العريق صامداً , رغم انه يشكو الإهمال الذي يتعرض له منذ عقود خاصة الأخيرة منها.
بناء الجامع
والمبنى الذي شيده الصحابي معاذ بن جبل “رضي الله عنه” يختلف كلياً عما هو عليه حالياً, وليس من أثر للصحابي سوى محرابه الذي حرصت على إبقائه كل التجديدات المتعاقبة على المسجد، ومساحته الحالية تقدر بحوالي “4365 مترا مربعا” .
ويضم صحنه “الفناء” الأوسط المكشوف والذي وضع فيه عمود مربع ارتفاعه متران ويستخدم كمزولة لتحديد أوقات الصلاة وتحيط به أبنية مظللة من الجهات الأربع تشرف على الصحن من ثلاث هي الشرقية والجنوبية والغربية أما الجهة الشمالية ,ففيها قبلة المسجد ومحرابه للصلاة، وهي الأكثر عمقاً ، وتطل المظلات على الصحن بأقواس عالية متجاورة أضفت على المنظر هالة البناء الإسلامي العريق ، وتنتصب في الجزء الجنوبي الغربي من زاويته مئذنة تتكون من جزء سفلي اسطواني يعلوه شكل مثمن ومن فوقه شكل مسدس وتنتهي بقبة جميلة .
تجديد الجامع
ويشير محمد بن عبدالرحمن علوي الى قيم الجامع والتجديدات التي توالت عليه عبر التاريخ، وأهمها ما قام به وزير السيدة بنت أحمد الأفضل ابن أبي البركات سنة “480هـ – 1087م” كما أوصلت الماء من جبل التعكر الذي يبعد 60 كم , ومن وادي السودان القريب من مدينة القاعدة عبر ساقية عرفت بساقية الجند، يتخللها أفلاج عجيبة وعقود يقارب ارتفاعها 600 ذراع واستمرت تزود الجامع بالمياه حتى أواخر ستينات القرن الماضي وآثارها لا تزال باقية إلى الآن .
والملك الناصر أيوب بن سيف الإسلام قام سنة “603هـ -” ببناء الجناحين والمؤخرة وشيد أسقفه بالآجر والجبس وطعم نقوشه بالذهب واللازورد، وفي سبعينات القرن الماضي رمم على نفقة ملك السعودية الراحل فيصل بن عبدالعزيز.
محراب معاذ
وفي مسجد الجند يقع محراب الصحابي الجليل معاذ بن جبل ، محراب آخر قام ببنائه الأيوبيون يقع في وسط الجامع .. يقول المؤرخون أن في القوس الأعلى ـ والذي يبدو ظاهرة على شكل زينة آية قرآنية هي ” يأيها الذين آمنوا أركعوا واسجدوا وأعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون “.
وفي الجزء الأيمن من المحراب كتب فيه اسم الذي قام بعمل المحراب كالتالي “افرغ من عمل هذا المحراب الفقير إلى رحمة الله عبدالله بن أبي الفتوح في شهر رجب سنة 618 هـ” ثم في الجهة اليسرى للمحراب :” صلى الله على سيدنا محمد وسلم” .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المحراب مشهد إضافة زخرفية بمادة الجبس عام 612هـ1215 مـ ويقع المحراب وسط حائط القبلة الشرقية، أما المحراب الصغير والموجود في شرق المنبر فهو المحراب الأصلي الذي تبقى من مسجد معاذ بن جبل رضي الله عنه.
كتابات ونقوش
وهناك إضافات كتابية عديدة استقرت في المحراب والمنبر من مختلف العصور وتتضمن أخبار خاصة بالإنشاء وأدعية، وقد تغيرت مواقعها الأصلية ما عدى تلك الكتابات المنقوشة بالحائط الجنوبي.. أما منشاة الوضوء ذات الغرف الصغيرة والمقببة فتقع بالجانب الجنوبي الشرقي .
ومن الكتابات الموجودة هناك لوحة على الباب الشرقي جاء فيها : بسم الله الرحمن الرحيم – أمر بعمارته الملك” ، وفي الحجرة الشمالية المقابلة لها بقية الجملة، وتقول ” المهذب العزيز المعظم في المنار الأعلى المجلل” وفي الحجرة اليمنى ” سيد الأمة وشيد المنة ظهير الدين “، وفي الحجرة الشمالية”الملك الموحد قامع وقاهر الخوارج والمنافقين”، وفي الحجرة اليمنى “مبيد الكافرين والمشركين، ملك العرب وسلطان الحرمين واليمن والهند، ناصر أمير المؤمنين أبو الفوارس التكاتكي أبن أيوب، خلد الله ملكه وعز نصره في 20 من شهر جماد الأول سنة 75هـ”.
ومكتوب في لوحة ـ ربما هي جديدة ـ في غرفة المسجد في سنة 1393 هـ ” تجدد النصف الغربي من المسجد على يد الملك فيصل رحمه الله”، الجدير ذكره أن الصليحيين في عهد الملكة أروى قاموا بإمرار الماء من الجبل الذي فوق خندة، أي من جبل تعكر من الناحية الشرقية ، وكانت تسمى بساقية الجند، وما تزال بعض آثارها إلى الآن، ويحكى عن هذه الساقية أن السيدة أروى قد نقبت بئراً وعملت ما يشبه عقود وتقارب 600 ذراع. حتى جاء سيل جارف وهدم ذلك، وبعد ذلك جاء أمين ـ ولد ـ حسين بن إسماعيل ـ وحول الساقية إلى مكان آخر.