أكتوبر 20, 2017
اخر تعديل : نوفمبر 24, 2018

مصنعة ماريا التاريخية

مصنعة ماريا التاريخية
بواسطة : Editors of Al Moheet
Share

 مصنعة ماريا، هي إحدى مناطق مديرية عنس محافظة ذمار.. والتي تتميز منازلها بطرازها المعماري الفريد وبأحجارها العتيقة التي عاصرت الحضارات اليمنية المتعاقبة، التي لا تزال محتفظة قدر الإمكان بأسرار الحضارة الحميرية والنقوش القديمة منذ  مطلع القرن الرابع الميلادي.

تشير النقوش إلى أن مصنعة “ماريا” عرفت قبل ذلك باسم “هجر سمعان” قبل أن يطلق عليها مصنعة “ماريا” إلى جانب أن لها أسماء أخرى كما يتوقع بعض الباحثون، وإطلاق اسم “هجر سمعان” على المدينة ومن المؤكد أنها لم تزدهر إلا في العصر الحميري حيث كانت العاصمة هي مدينة “ظفار”.

تاريخ المصنعة

قبل أن تشيد قرية “ماريا” كان حصن “ماريا” الذي ترتص منازل “ماريا” حوله قد شيد كذلك بأحجار أنقاض مدينة “مصنعة ماريا” أو مدينة “سمعان” الحميرية القديمة.،إذْ لا يزال الحصن قائم لكن الخراب قد نال جزء منه والذي يعتقد بأنه شيد خلال العصر الإسلامي..

وعلى ارتفاع حوالي 300 متر من قرية ماريا والحصن الشهير تنتصب على هضبة بازلتيه محصنة تحيط بها السهول الزراعية الخصبة، وتتناثر على سطحها الذي يبلغ مساحته حوالي 8 كم مربع خرائب مصنعة “ماريا” أو “هجر سمعان” بعد حضارات استيطانية متعاقبة.

وحين الصعود إلى قمة الهضبة سيراً على الأقدام لابد أن يمر عبر طريق مرصوف بالأحجار قادماً من الناحية الجنوبية، ماراً إلى الناحية الشرقية من الهضبة ليصل إلى البوابة الشرقية للمدينة، والذي يطلق عليه “درب أسعد” والذي يصل المدينة بالعاصمة الحميرية “ظفار”.

اختيار الموقع

وتطل المدينة على عدد من الأودية الزراعية الخصبة، ومن سطح الهضبة حيث تتناثر ركام الحضارات، يرى الزائر جبل هران الأثري بمدينة ذمار في الناحية الشرقية، وفي الغرب جبال مغرب عنس وعتمة ووصاب، وفي الشمال جبال آنس وجهران، ومن الجنوب جبال القفر وبني عمر من محافظة إب.. مما يدل على عبقرية اختيار الموقع.

وهو ما يميز المدن الحميرية القديمة انها بنيت في قمم الجبال وفي مواقع محصنة وتتوسط عدد من التلال تكون التلال نقاط عسكرية للمراقبة كي لا تتفاجأ  المدينة بأي هجوم، وموقع حصين يمكن المراقب من ملاحظة القادم حتى مسافات طويلة.

البوابات

ولمدينة “مصنعة ماريا” “سمعان” أربع بوابات رئيسية، وعدد من الممرات السرية، منها البوابة الشرقية التي يصل إليها الطريق الممتد باتجاه “ظفار” عاصمة الدولة الحميرية على بعد 15 كم جنوب شرق مدينة “يريم” محافظة إب حالياً، ما يطلق عليه “درب أسعد”، وبوابة جنوبية وأخرى شمالية تفصل المدينة عن الهضبة الشمالية.

وبوابة غربية والتي يقع على يسارها نقش مصنعة “ماريا” الشهير المكون من 14 سطراً بخط المسند الذي يوثق عدد من الأعمال الإنشائية التي تمت في عهد الملك “ثاران يهنعم” ملك سبأ وذي ريدان.

نقوش أثرية

ويستدل الباحثون بالنصب الحجرية التي ذكرت سابقاً إلى جانب وجود أساسات لعدد من المباني السكنية التي استعمل في تشييدها أحجار ضخمة غير مهندمة تشبه الأحجار المستخدمة في العصر البرونزي وهو ما أكدته البعثة الأمريكية التابعة لجامعة “شيكاغو” عن وجود آثار العصر البرونزي في منطقة “ماريا” والمناطق المحيطة بها.

كما يستدل الباحثون من خلال نقشين وجدا بخط المسند، إحداهما لا يزال بين أنقاض المدينة عند حائط الحاجز المائي بالقرب من المدخل الشرقي، وآخر نقيل واستعمل في بناء أحد المساكن في قرية “ماريا” الحالية، وكلاهما مكتوب بخط المحراث يدلان على استمرار النشاط الاستيطاني البشري في المنطقة خلال العصر السبئي المبكر والنقشين في طور الدراسة.

العصر الحميري

ويعد العصر الحميري الأكثر بروزاً ووضوحاً من آثار مدينة “سمعان” حيث لا يزال الموقع يحتوي على أساسات لمباني شيدت بطريقة البناء المتدرج من أحجار مقصوصة ومهندمة بدقة كبيرة تدل على مهارة عالية وإتقان  كبير يتناسب مع الأهمية السياسية والحضارة للمدينة في العصر الحميري.

ويؤكد الباحث اليمني أ. مطهر الإرياني رحمه الله أنه مؤرخ بالتاريخ الحميري المتعارف عليه في نقوش المسند، وأنها تتحدث عن عدد من الإصلاحات والإنشاءات التي تمت في عهد الملك الحميري “ثاران يهنعم” ملك سبأ وذي ريدان بعد وفاة والده، وانفراده بالحكم.. ويتكون النقش من 14 سطراً، منها السطر الأول وأجزاء من بعض الأسطر مطموسة بسبب عوامل التعرية.

حيث يشير النقش على شق وتمهيد وإصلاح وترميم أكثر من عشر طرق حيوية المصعدة في الجبال اليمنية الشامخة بشواهقها المنسلخة ومنحدراتها ذات الطبيعة الجبلية الصخرية القاسية في كثير من أجزائها، هذا إلى جانب إنشاءات وإصلاحات في عدد من الأماكن الأخرى.

بعثات أثرية

ومثلَّ مطلع القرن العشرين الماضي بداية للإشارات الأولى حول الأهمية التاريخية والحضارة للمدينة، وتحديداً بين عام 1909م-1910م من قبل العالم الجيولوجي الفرنسي “بينيتو” تم توقف الاهتمام حتى زارتها البعثة العلمية العراقية عام 1981التي كانت تقوم بمسح للمناطق الأثرية في اليمن.

وفي عام 1969م زار المنطقة الباحث اليمني الأستاذ مطهر الإرياني، ونشر بالتعاون مع المستشرق الإيطالي “جيوفاني جاربيني” نقش مصنعة “ماريا” الشهير الموجود على يسار الداخل من بوابتها الغربية عام 1970م.

وفي عام 1971م نشرت “باتريسيا موريت” بعض من نقوش “ماريا، وفي عام 1974م قام “ر.دي هيومنس” بوصف الموائد الحجرية الموجودة حتى الآن.

وفي عام 1978م أعاد “ولترمول” نشر نقش مصنعة “ماريا” الشهير بعد زيارته لها، وقام بتصحيح قراءة بعض كلماته، وابتداءً من عام 1993م زارت المنطقة ولأكثر من موسم البعثة الأمريكية التابعة لجامعة “شيكاغو” التي تقوم بمسح ودراسة مواقع العصر البرونزي في منطقة الهضبة الممتدة من “الحداء” شرق ذمار وحتى “ظفار” شرق مدينة يريم؛ حيث أكدت أعمال البعثة وجود آثار من العصر البرونزي في منطقة “ماريا” وما حولها. ولم تجرى في المنطقة حتى الآن أي أعمال حفرية عدا دراسات علمية بسيطة وعملية توثيق فقط.