
إيمي نويثر (Emmy Noether)، عالمة رياضيات، ولدت في إيرلنجن (Erlangen) بألمانيا في عام (1882م)، وكانت تأمل أن تسير على خطى والدها الرياضي ماكس، لكن الجامعات الألمانية لم تكن تقبل النساء لديها، لذا كان على نويثر أن تحضر الدروس كمستمع بدلاً من ذلك. وفي النهاية، حققت أداءً جيدًا في الامتحانات النهائية لدرجة أنها حصلت على شهادة البكالوريوس.
في عام (1904م) سُمح لها بالتسجيل في برنامج الدكتوراه في جامعة إيرلنجن وحصلت على درجة الدكتوراه في عام (1907م) وقضت ما يقرب من ثماني سنوات تعمل هناك بدون أجر أو منصب رسمي، معتمدة على عائلتها للحصول على الدعم المالي بينما تحل أحيانًا محل والدها كمدرس بديل.
بعد رحلتها إلى جوتنجن (Göttingen) في عام (1915م)، بقيت كمحاضرة، ولم تتسلم مرة أخرى أي أجر.
بعد سنوات من العمل في الأساس كمتطوعة، أخيرا أصبحت نويثر أستاذاً رياضياً مساعدا غير مستقر في جوتنجن عام (1922م)، حيث حصلت على راتب متواضع. لكن بعد 11 سنة فقدت وظيفتها عندما تم طردها مع يهود آخرين من الأوساط الأكاديمية في ألمانيا النازية. بعد بفترة وجيزة غادرت البلاد إذ حصلت على وظيفة في كلية برين ماور (Bryn Mawr) في بنسلفانيا بمساعدة آينشتاين، لكنها توفيت بعد 18 شهرًا فقط بسبب مضاعفات بعد جراحة أجريت لها لإزالة كيس المبيض.
في سنوات عمرها الـ 53، الذي أضاعت الكثير منه لمعارضة النظام الذي عرقل سعيها في الرياضيات، كان لنويثر تأثير غير عادي على كل من الجبر (مجالها الرئيسي) والفيزياء. ليس هناك قول ما قد تكون أنجزته لو كان المجتمع والقدر أكثر لطفاً. ومع ذلك، كان متانة عملها أكثر من كافٍ لتأمين مكانها جوار العلماء الكبار، بنظريتها التي تحمل اسمها، التي ربما كانت أعظم مساهمتها.
نظرية إيمي نويثر
نظرية إيمي نويثر هي علاقة بسيطة وأنيقة بين مفاهيم تبدو غير ذات صلة والتي، اليوم، تكاد تكون واضحة للفيزيائيين، بل يمكن لغير الفيزيائيين معرفة فحواها أيضا، في الأساس، تنص النظرية على أن:
كل تناظر (مستمر) في الطبيعة لديه قانون حفظ مقابل، والعكس بالعكس.
كشفت نظرية نويثر عن علاقة خفية بين مفهومين أساسيين – التناظرات والكميات المحفوظة – التي كانت حتى ذلك الحين تعامل بشكل منفصل؛ حيث توفر النظرية صيغة رياضية واضحة لإيجاد التناظر الذي يرتكز عليه قانون حفظ معين، وبالعكس، إيجاد قانون الحفظ الذي يتوافق مع تناظر محدد.
لا تنطبق نظرية نويثر على هذه التناظرات البديهية – الدوران والتحولات في الزمان أو المكان – فقط ، بل أيضًا على التناظرات (الداخلية) الأكثر تجريدًا التي تكمن وراء قوى الطبيعة.
الجسيمات الصغيرة داخل الذرة كالكواركات أو النيوترينوات وعلاقتها بالقوى الأربعة كالقوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة والقوية وكذلك قوة الجاذبية.
يسعى البحث العلمي للعثور على جسيمات جديدة وتناظرات أعمق وأوسع نطاقاً تنطلق منها، وهي عملية تلعب نظرية نويثر فيها دور محوري.
وليس هذا فقط بل يمتد اثر النظرية إلى جميع فروع الفيزياء.
حتى أن النظرية مرشحة قد يحل لغزا قديما في الفيزياء يعرف بمفارقة المعلومات حول الثقب الأسود (black hole information paradox)؛ فقد بيّن هوكينج في السبعينات أن كل ثقب أسود في نهاية المطاف سيتبخر ويختفي، ويحتمل أن تدمر كل المعلومات التي احتواها الكائن دفعة واحدة عن كيفية تشكيله وتطوره مع مرور الوقت.
كان الفقدان الدائم للمعلومات في سيناريو هوكينج مزعجًا للمُنظِرين – بما في ذلك هوكينج – حيث أنه ينتهك قانونًا عزيزًا في الفيزياء الكوانتية الذي يحفظ هذه المعلومات، مثل الطاقة، التي دائما تكون محفوظة. قد يشير وجود الجسيمات الخفيفة على طول أفق الحدث، وتناظراتها المرافقة، إلى مخرج من هذه المعضلة.
قيل عن النظرية
يقول عالم الفيزياء بجامعة هارفارد أندرو سترومينجر (Andrew Strominger): (لقد أدركنا بسرعة من خلال نظرية نويثر أن هناك قوانين الحفظ مقابلة للتناظرات الجديدة التي تضع قيودًا صارمة على تكوين وتبخر الثقوب السوداء).
إنها مجرد مثال تلوح فيه نظرية نويثر بشكل كبير، وتزداد قائمة الأمثلة.
يقول سترومنجر: (العلاقة بين التناظرات وقوانين الحفظ قصة لا نهاية لها، بعد مائة عام، تستمر نظرية نويثر في العثور على المزيد والمزيد من التطبيقات). في حين لا أحد يعرف ما سيحدث بعد ذلك، فإنه لا يمكن إنكار القوة المدهشة، وطول العمر، لنظرية إيمي نويثر.
وفاتها
توفيت نويثر في يوم (14 ابريل 1935م)، لا يزال رفات نويثر موجودا تحت الممشى الذي يحيط أروقة مكتبة توماس بجامعة برين ماور.
المراجع:
1- The Univere According to Emmy Noether. discovermagazine.com. review.2018/11/16.