
الشعر اليمني الحديث، يشكل الشعر النشاط الثقافي الأكثر انتشاراً في اليمن، تستوي في ذلك مع غيرها من البلاد العربية، وقد تقدم الشعراء على غيرهم من أصحاب الأدب، فنجد النهضة الأدبية تبدأ بالشعر وتخرج القصيدة من أثوابها التقليدية لتتخذ مضامين وقوالب جديدة، كان أبرزها التعبير عن الواقع التاريخي والسياسي للشعب اليمني.
وربما يشكل الهم السياسي اتجاها منفرداً داخل مدرسة الإحياء في اليمن، فعملية تجديد قيم الشعر كانت ترتبط بعملية تجديد القيم السياسية والاجتماعية، وهكذا جاء شعر الإحياء معبراً عن ضمير الحركة الوطنية، وربما كانت كتابات الشاعر محمد محمود الزبيري. خير مثال على هذا الاتجاه في الشعر اليمني.
الرومانسية
وقد استطاع الشعراء اليمنيون أن يلحقوا بركب الحركة الشعرية العربية ويتجاوزا حالة التأخر التاريخي التي يعيشون في ظلها، فنجد الشاعر اليمني في الأربعينيات يستجيب لإيقاع التحول في الشعر العربي، فحين كانت الرومانسية تخفق بجناحيها في البلاد العربية، ظهر عدد من الشعراء اليمنيين الذين اهتزوا بإيقاع الرومانسية وركبوا مع الملاح التائه في على المركب نفسه.
ونشير هنا إلى عدد من الشعراء الذين كتبوا قصائد رومانسية إلا أن الرومانسية لم تكن بالنسبة لهم اختياراً أو اتجاهاً فكرياً وأدبياً محدداً بقدر ما كانت مزيجاً من التعبير الوجداني والصوفي ومن هؤلاء: علي محمد لقمان وأحمد الشامي ومحمد سعيد جرادة وعبدالله البردوني وإبراهيم الحضراني ومحمد عبده غانم وإدريس حنبلة وغيرهم.
إلا أننا نستطيع أن نعتبر شعر لطفي جعفر أمان معبراً فعلياً عن الاتجاه الرومانسي. فلقد تأثر هذا الشاعر بأجواء الرومانسية العربية في نهاية الأربعينات، وكان تأثير الرومانسيين العرب قوياً على أشعاره، وأثناء دراسته أصدر ديوانه الاول (بقايا نغم)، وهو عنوان ذو دلالة فهذا الشاعر الذي لم يتجاوز العشرين عاماً، يكتب عن بقايا تجربة لم يعشها بعد، ومن الواضح أنه لا يتحدث بصوته وإنما ينطق نيابة عن جيل الرومانسيين العرب الذين غاب كثير منهم في سن الشباب، بينما ظل الباقون يجترون الشعور بالخيبة والتمزق والاغتراب.
القصيدة السياسية
ويمكن القول إن الرومانسية في الشعر اليمني، على الرغم من تشت تجربتها إلا أنها كانت أبرز تجديد يحدث في القصيدة حيث ظهرت أغراض جديدة وموضوعات جديدة للشعر، خرجت عن الإطار التقليدي من جهة، وخرجت أيضاً عن إطار القصيدة السياسية المباشرة التي ارتبطت بها حركة الإحياء. وقد شكلت الرومانسية مدخلاً اساسياً للشعر الحديث في اليمن، فالتجارب الرومانسية في شعر لطفي والشامي كانت بشارة بولادة ظواهر فنية جديدة، ولئن انكفأت تجربة الشاعر أحمد الشامي فلأن اتجاه تطوره الخاص كان معاكساً لاتجاه حركة المجتمع اليمني، كما أن شعره وتجربته عبرا عن حنين إلى المستقبل يجد جذوره في الماضي، وبالتالي تمزق الوعي لديه، مما جعل تجربته في كتابة القصيدة مجرد امر عابر وليس تعبيراً عن اختيار واعٍ وموقف فكري واضح.
شعر التفعيلة
وفي الفترة نفسها التي كانت الرومانسية تحاول أن تفرع في اليمن، كان عدد من الشعراء يحاولون التجديد في كتابة القصيدة فلجأوا إلى شعر التفعيلة أو ما اصطلح على تسميته بالشعر الحر، ومن هؤلاء الشعراء: محمد أنعم غالب وإبراهيم صادق وعبده عثمان، وقد كان لوجودهم في القاهرة وبيروت أثر كبير في هذا الاختيار، حيث كان موجة الحماسة ترافق ظهور هذا الشعر في البلاد العربية، كما كان لاختيارهم بعد آخر، حيث كانوا يشعرون أن تحطيم عمود الشعر يمكن أن يكون شكلاً أولياً من أشكال تحطيم أعمدة النظام الإمامي.
إلا أن القصيدة الحديثة ظلت تراوح في مكانها، لم تستطع التقدم ليصبح الشعر الحر شكلاً من الأشكال الأدبية الجديدة طوال الخمسينات، حتى كاد بعضهم أن يقول بتحريمه لارتباط الشكل التقليدي للقصيدة العربية بالقداسة الناجمة عن اتصالها بلغة القرآن.
ولم تكن هذه المراوحة بين القديم والجديد سمة خاصة للأدب في اليمن، بل إنها كانت سمة عامة للأدب العربي كله، إلا أننا نستطيع أن نضيف إليها في حال اليمن قوة الاتجاه التقليدي. الأمر الذي أخر كثيراً حركة التجديد في الشعر اليمني، حيث إنها لم تستطع أن تبرز كتيار مكتمل إلا في الستينيات، حين خطا المجتمع اليمني خطوته الهامة تحو العصر وذلك بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م/ 26 ربيع الآخر 1382ه.
تجربة البردوني
ويمكن أن تكون أشعار الأستاذ عبدالله البردوني أوضح مثال على حيرة الشاعر اليمني بين الشكلين الجديد والقديم، فقد ظل البردوني بالشكل التقليدي للقصيدة على الرغم من تجديده الهام في مضمون القصيدة بل إننا نحس في بعض قصائده أن الشكل التقليدي يعيق تنامي القصيدة لديه ويفكك بنياته ويمنع اكتمالها، لأن الإيقاع والقافية يفرضان قيودهما على القصيدة.
وقد شكلت الستينات منعطفاً هاماً في مسار الشعر اليمني الحديث فظهرت أصوات جديدة في الشعر اليمني خرجت عن القصيدة العمودية والتزمت بالشكل الحديث في الشعر، ومن الأسماء البارزة في هذا التيار: عبدالعزيز المقالح والقرشي عبدالرحيم سلام وعبدالله سلام ناجي وحسن اللوزي وعبدالودود سيف وزكي بركات ومحمود الحاج وغيرهم واستطاع هؤلاء أن يخطوا للقصيدة الحديثة مسارها الذي أخذ شكلاً متصاعداً وأفرز في نهاية الستينات ما عرف بقصيدة النثر ومن أبرز ممثليها: عبدالرحمن فخري.
أما السبعينيات فقد شهدت جيلاً من الشعراء الذين مضوا في طريق القصيدة الجديدة أمثال: مختار علي وإسماعيل الوريث وعباس الديلمي وسعيد البطاطي كما ظهر جيل جديد من الشعر الشباب في هذه الفترة أيضاً، ومن أبرز ممثليه محمد حسين هيثم وشوقي شفيق وعبد الرحمن إبراهيم ونجيب مقبل ومحمد حسين محوشي.
ولم تكن الثمانينيات سوى استمرار للسبعينيات فقد كان الشعر أكثر تراخياً في هذا العقد حيث لم تظهر أسماء جديدة تحمل تطوراً خاصاً بينما استمر كثير من شعراء السبعينات في تأصيل تجاربهم وصدرت كثير من المجموعات الشعرية.
المصادر:
1-الموسوعة اليمنية، مؤسسة العفيف.