مارس 6, 2018
اخر تعديل : مايو 31, 2020

نظام الري في اليمن القديم

نظام الري في اليمن القديم
بواسطة : Editors of Al Moheet
Share

نظام الري في اليمن القديم يعود تاريخه إلى حوالي الألف الثاني قبل الميلاد، ومن خلال الأبحاث والدراسات توصل الباحثون إلى نتيجة أن اليمنيين كانوا قد حققوا مستوى متقدما من العرفة بالمناخ والزراعة وتقنيات الري.

تركزت الأعمال الأثرية والجيمورفولوجية التي قام بها برونر (Bronner 1983,1985) على دراسة الإرسابات الطمئية ومحتوياتها في منطقة أرض الجنتين القريبة من سد مأرب القديم، وقد زودتنا هذه الدراسة بمعلومات هامة تتعلق بنوع وخصائص طبقات إرسابات الطمئية ونظم الري والزراعة والوظائف المتعددة لها.

حوض مأرب

وكان برونر (Brunner 1983, 1986) قد حدد تاريخاً لنظام الري والزراعة في حوض مأرب يعود إلى حوالي بداية الألف الثاني قبل الميلاد أو بنهاية الألف الثالث قبل الميلاد، وهو تاريخ أقدم بكثير من التاريخ الذي يعطيه فان بيك (Van Beek) وبيرين (Pirenne) وآخرون من الباحثين الذين يسلمون بصحة نظرياتهم. وقد توقف العمل تماماً بهذا النظام في حوالي بداية القرن السابع الميلادي (Brunner 1983, 1986) . وقد أوضحت الدراسات الجيمورفولوجية والأثرية نوع وسمك ومحتويات شرائح التربة الطمئية التي ترسبت في الحقول الزراعية القريبة من السد ، وأظهرت أن تجمع التربات الطمئية تلك في تراصفات منتظمة كان بنتيجة فاعلية العمل بنظام الري الذي كان متكيفاً مع الظروف الطبيعية والاقتصادية ، وأن تجمع هذه التربات كان يتم سنوياً بنسبة بلغت حوالي 1.1 سم (Brunner 1983, 1986).

وهذا يعني أن هذا النظام كان قد أستغرق العمل به حوالي 2500 سنة حتى بلغ ذلك المستوى المعقد، وأن إنجاز مثل هذا النظام ما كان ليتم لو لم يكن السكان قد حققوا مستوى متقدم في المعرفة بالمناخ والزراعة وتقنيات الري، وأن تحقيق هذا المنجز الاقتصادي وضمان نموه واستمراره ما كان ليحدث أيضاً ما لم يكن هناك دولة مركزية تتحكم في عملية التوسع المستمر في الأرض الزراعية وتتولى إقامة مثل ذلك النظام و وتنظيم استخداماته والإشراف عليه ليستفيد منه كل المزارعين في حوض مأرب.

وقد احتوت نتائج هذه الدراسة الأثرية الجيمورفولوجية لبرونر (Brunner 1982,1983) لإرسابات التربة ونظام الري في حوض مأرب شرحاً تكنيكيا لمنظومة الري البسيطة والمعقدة ، وتوضيحاً وتحليلاً لوظائفها ، كما تضمنت هذه الدراسة تحليلاً للعناصر الكيميائية – الطبيعية لشرائح تراصفات التربة ، وكذلك وشرحاً تفصيلياً لمستوياتها وشكل بنيتها ، بالإضافة إلى تحديد مراحل نمو نظم الزراعة والري ووصف أقنيتها المتنوعة.

وادي الجوبة

تشير نتائج الدراسات الأثرية والجيمورفولوجية التي أجريت في وادي الجوبة إلى أن جزءاً كبيراً من طبقات الإرساب الطمئي في الوادي تتكون من التربة الناعمة والرملية والحصوية، وهي لإرسابات صلبة مستوياتها التحتية (السفلى) كانت قد ترسبت طبيعياً خلال العصور الجيولوجية “بليستوسين” و “هولوسين” (Overstreet, Grolier, Toplyn 1988) ، تعلوا الإرسابات الطبيعية إرسابات العصر الهولوسيني الحديث التي تكون طبقات التربة الزراعية المختلفة، وتفصل بين الإرساب الطبيعي وإرساب التربة الزراعية طبقة رمادية أو سوداء كانت قد تكونت خلال الفترة الرطبة خلال العصر الوسيط والحديث من عصر الهولوسين، وقد أعطت نتائج تحليل عينات راديو كربون المشع تواريخ لهذه الطبقة تعود إلى الألف السابع والألف الخامس قبل الميلاد (Ghaleb 1990; Overstreet, Grolier, Toplyn 1988) .

المعلومات الجيمورفولوجية المنشورة عن إرسابات التربة الزراعية في وادي الجوبة لم تعط تواريخ محددة عن بداية النشاط الزراعي في الوادي لكنها تشير إلى أن الزراعة في الوادي كانت تمارس في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد (Overstreet, Grolier, Toplyn 1988).  لكن نتائج تحليلات عينات راديو كربون المشع التي عثر عليها في حفريات هجر التمرة عام 1983 قد أعطت تاريخاً محدداً للاستيطان في الموقع يعود إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد (نهاية العصر البرونزي المتوسط) (Blakely, Sauer, Toplyn 1985).

كما تشير نتائج الدراسات الأثرية التي قام بها عبده عثمان غالب (Ghaleb 1990) في الوديان الفرعية للوادي أن النشاط الزراعي والاستيطاني يعود إلى حوالي المراحل الأولى من الألف الثاني قبل الميلاد وهذا ما تؤكده نتائج التحقيقات والدراسات الأولية التي قام بها عبده عثمان لبقايا أنظمة الري والحقول الزراعية والأدوات الفخارية والحجرية وبقايا المساكن في منطقة الدراسة بوادي الجوبة (Ghaleb 1990)، وهو تاريخ أقدم بكثير من التواريخ التي حددتها نظريات الفجوة.

وادي بيحان

في وادي بيحان تركزت الأعمال الأثرية والجيمورفولوجية التي قام بها باون Bowen عام 1950 في منطقتين من أهم المناطق الأثرية القديمة، هما منطقة هجر بن حميد ومنطقة المبلقة (Bowen 1958). وكانت عملية التنقيب التي أجراها باون قد تركزت في الجزء الغربي من مستوطنة هجر بن حميد القديمة ، فقد حفر باون في قناة الري التي تبلغ 1200م طولاً .

وكان باون يهدف من وراء عملية التنقيب في هذه القناة إلى التعرف على المراحل الأولى لنظام الري وتطور في وادي بيحان كخطوة أساسية تسهم في تحقيق الهدف النهائي وهو تحديد بداية نظم الزراعة والري في وادي بيحان وتتبع مراحل تطورها وانهيارها.

وكان باون قد توصل في دراسته لنظم الزراعة والري هذه إلى معرفة بعض المعلومات والأدلة الأساسية حولها ، وخرج بعد التحليلات والتحقيقات التي أجراها حولها إلى استنتاجات هامة، منها، أن نظام الري في وادي بيحان ، وتحديدا منطقة هجر بن حميد، مر بثلاث مراحل من التشييد: مرحلة مبكرة ، ومتوسطة ، ومتأخرة.

ويحدد باون بداية العمل بهذا النظام بحوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وكان هذا النظام قد توقف العمل به عندما بلغ المرحلة الأخيرة من مراحل بنائه التي حددها باون بحوالي القرن الثالث بعد الميلاد. ويرى باون أن توقف العمل بهذا النظام قد تزامن مع توقف النشاط الزراعي والاستيطان في منطقة هجر بن حميد.

هجر بن حميد

وكانت الدراسة التي أجراها باون في منطقة هجر بن حميد قد شملت دراسة سمك ونوع ومحتويات طبقات الإرساب في القناة الرئيسية والقنوات الفرعية والحقول الزراعية ووجد أن سمك الإرساب كان قد بلغ حوالي “6 متر” عندما توقف العمل بنظم الزراعة والري، من الستة الأمتار متران هما الإرساب الطبيعي السابق للنشاط الزراعي في المنطقة ، والأربعة الأمتار هي إرسابات التربة الزراعية التي تشكلت نتيجة لفاعلية تلك النظم التي كان معمولاً بها منذ بداية الاستيطان في المنطقة وممارسة المستوطنون للنشاط الزراعي فيها .

أما تحديد باون القرن الثالث قبل الميلاد كتاريخ لتوقف هذا النظام فقد بني على أساس نتائج دراسته لطبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين المظهر الأخير لقنوات الري والمظهر الاستيطاني الثاني (المستوى الأعلى) في منطقة هجر بن حميد.

ورغم أن باون (Bowen) قد حرص أثناء دراسته لنظم الري والزراعة في وادي بيحان تحري الدقة وجمع قدر أكبر من المعلومات والدلائل الأثرية المفيدة التي أعتمدها في استنتاجاته ، فقد غلب على منهجه الطابع الوصفي والتعميم في التفسير لكن ذلك لا يقلل من أهمية المعلومات التي استخلصها من تحقيقاته الميدانية أو تلك الاستنتاجات التي توصل إليها في دراسته لنظم الري والزراعة في وادي بيحان.

وفي حد ذاتها يمكن اعتبارها مدخلاً لدراسة تكنيكيكية وظيفية لمنظومة الزراعة والري في اليمن والتي بدأ برونر (Bronner 1983) ، جرولير (Grolier 1988) ، عبده عثمان (Ghaleb 1990) ، وويلكينسن (Wilkinson) العمل نحو تحقيقها في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي .

الكاتب:

عبده عثمان غالب.

المراجع:

1- Brunner, U. 1983, Die Erforschung der antiken Oase von Marib mit Hilfe geomorphologischer Untersuchungsmethoden. Archaologische Berichte aus dem Yemen, Bd. 2. Mainz am Rhein: Verlag phillip von Zabern.

2- Brunner U. and Haefner H. 1986, The Successful Floodwater Farming System of the Sabeans, Yemen Arab Republic. Applied Geography 6: 77- 86.

3- Bowen, R. L. 1958, "Irrigation in Ancient Qataban (Beihan)." In Archaeological Discoveries in South Arabia. Ed. R. L. Bowen, and F. P. Albright.

4- Publication of the American Foundation for the Study of Man, Vol. 2. Baltimore: Johns Hopkins, pp. 43-131.

5- Overstreet, W. C. et. al. Contributions to Geochemistry, Economic Geology and Geochronology of the Yemen Arab Republic. Virginia: U. S. Geological Survey, 1985.

6- The Wadi al-Jubah Archaeological Project vol. 4, Geological and Archaeological Reconnaissance in the Yemen Arab Republic, 1985.

7- Washington DC: American Foundation for the Study of Man, 1988.

8- Overstreet, W. C., and Grolier, M. J. 1996, The Wadi al-Jubah Archaeological Project vol. 5, Environmental Research in Support of Archaeological Investigations in the Yemen Arab Republic, 1982-1987. Washington DC: American Foundation for the Study of Man.

9- Ghaleb, A. O., 1990, Agricultural Practices in Ancient Radman and Wadi al-Jubah (Yemen). Unpublished ph.D. dissertation, University of Pennsylvania, Philadelphia.